"حلم"

"حلم"
بقلم محمود فكري رمضان - الفيوم - مصر
استيقظت باكرا هذا الصباح، على غير عادتي في فصل الصيف، وقفت عند النافذة أشم رائحة الصباح. لمعت في ذاكرتي صور المنام الذي تركته للتو فوق الوسادة. عدت إلى السرير ألملم ما تبقى من خيالات، تمددت من جديد، الوجوه والأماكن تتناوب على ساحة الذاكرة. باب خشبي عتيق، أقف قبالة ألوانه المحروقة دون حراك. يقترب مني رجل ضخم بملامح باردة، يشير إليّ كي اتبعه. ندخل من الباب الكبير. رأيت كنزا .. قال الضخم:"انه لك"... بدأت امشي في أروقة المكان الغامض. دهليز طويل يمتد إلى آخر العتمة. ألتفت لأعرف ما يدور حولي، لأرى ، لأسمع،.. لكن لاشيء. أصوات مبهمة تتحول إلي ضجيج، سلالم تمتد بعيداً في الفضاء المغلق وغير المدركة نهايته. نجحت أخيراً في الوصول إلي نهاية إحداها. في أعلى السلم، رجل اصلع يستظل بقبة حجرية، نظراته قاسية كحجارة القبة المنقوشة، قال بلهجة ساخرة: "الورقة الذي تريدها موجودة داخل صندوق المغارة"، ثم أردف بلهجة آمرة: "اتبعني".‏
سرت خلفه لأجد نفسي، بعد خطوات، وسط ساحة كبيرة، في نهايتها مصطبة مرتفعة، فوقها صندوق خشبي. أشار الأصلع إلى ورقة أخرجها من الصندوق وقال لي: "هاهي الورقة والكنز لك، ولكن عليك قبل كل ذلك أن تثبت ملكيتك له".‏
من جديد رأيت نفسي أدخل المتاهة ، ساحات وساحات، مصاطب، دهاليز بلا نهاية، سلالم تمتد كالأفق، طرق تلتف كالنقش على جدار صدفة بحرية. الضجيج يتعالى، وتعلو الصيحات الغامضة، تعلو، وتعلو. أصعد نحو العلا. يرتفع الضجيج، أنزل إلى آخر السلم. يرتفع الضجيج. استندت إلي جدار وأغلقت أذني، لكن الضجيج يرتفع، ومعه تتداخل أصوات أقدام متعبة، آهات، أنات لاهثة خلف الممرات المتواترة. أفتح عيني على النور ورئتي على الهواء. تصفعني أردية سوداء تطيرها الريح. السواد يخيم على المكان والضجيج سيد الوقت. يشدني الأصلع من يدي ليدخلني في دوامة جديدة. في الجانب الآخر يقف رجل آخر ضخم ، يشير بأسنانه إلي وليمة جديدة، يشير إلى قلبي ، ويهمس في أذن مستمعه: "قلبه طيب، ولذيذ"، فيما يصرخ رجل آخر بكلمات من لغتي، لكن لا أفهمها.‏
تتناثر الكلمات على الأرض، شظايا من معان وأشلاء صور، تدور حولي الدوائر. ومن جديد يلقيني الكابوس في دوامة من الهذيان. نفق طويل لا ضوء في نهايته. في الطرف الآخر بدا بصيص نور، راح يكبر ويكبر، يقترب هادراً كالشلال. إنها جنية الحلم، شعرها يتراقص كالأمواج العتيقة ، عيناها فراشتان، وردائها حقلٌ من النجوم. رفرف قلبي مع الفراشتين، وتاه في سماء ردائها، فأيقنت أنني ما زلت على قيد الحياة، مازلت قادرا على الإحساس بالحب. ازداد إصراري على الصمود والتحدي. إنه الحب إذاً، وهذا المكان المقيت يمتلك القدرة على فرز الجمال عن قباحته، ورغم القسوة المنتشرة في الزوايا، هناك أيضا بقعة شفافة من الجمال تضيء بعض العتمة، لتخفف عذابات المستمرين بالحياة.‏
ولكن أين جنيتي؟؟ كيف اختفى شعرها الشلال وسط الزحام. تركتني من جديد لوعود الكاذبين، ومواعيد وصولهم التي لا تأتي أبداً. سأعود إلى المتاهة إذاً. أسمع أصواتاً تقول: "لم يبق سوى خطوات وتصل".. هل اصل حقاً؟؟!!‏ .. لابد من ذلك وقد وعدني ذاك الرجل عند الباب بالوصول إلى باب المغارة من جديد. سأخرج لأعانق جنيتي. لا شك إنها الآن ترنو بسعادة من نجاح إلى نجاح، وتركض تحت الشمس بانتظار خروجي من هذه المغارة المتعبة، لأنسى كل الأردية السوداء التي تذكرني بمجالس العزاء، يوم قالت حبيبتي للحياة وداعاً.

 

 

 

 

ابو فهد

دائما تتحفنا بكل ما هو رائع وجميل

الف الف شكر على هالنقل الموفق

طرح في قمّة الجمال كلمات في قمّة

الروعه والذوق تسلم تقبل مروري وودّي

 

 

 

 

خيال القضاهـ
شكرآ لمرورك الكريم
وتشجيعك دائمآ محفز للاجتهاد
ولك مني اجمل تحية وتقدير