السؤال
يقول الله تعالى في الحديث القدسي: "إن الصوم لي وأنا أجزي به" فكيف يختلف الصوم عن باقي العبادات لأن جميعها هي لله وهو الذي يجازي بها ؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث القدسي المشار إليه في السؤال هو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم ولفظه: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به.
أما معنى: فإنه لي وأنا أجزي به... فقد أورد النووي -رحمه الله- عدة أقوال للسلف في توجيهه، قيل: لأن الصيام هي العبادة الوحيدة التي عُبِدَ الله بها وحده ولم يعبد أحد سوى الله بالصيام، أي لم يتقرب المشركون على مختلف الأعصار لمعبوداتهم بالصيام.
وقيل: لأن الصوم بعيد عن الرياء لخفائه.
وقيل: لأنه ليس للصائم ونفسه حظ فيه.
وقيل: إن الله تعالى هو المتفرد بعلم ثوابه وتضعيف الحسنات عليه.
وقيل: إضافته لله إضافة تشريف، كما يقال: "ناقة الله" و"بيت الله". بتصرف يسير.
ولا منافاة بين كل هذه الأقوال، ويحتمل أن تكون كلها مرادة.
وما ذكرت من أن العبادات يجب أن يكون كلها لله صحيح.. بل أي عبادة قصد بها غير الله فلا أجر لصاحبها بل هو معاقب على ريائه وقصده السيء.
والله أعلم
شرح حديث : كل عمل ابن آدم له إلا الصيام
السؤال : في الحديث القدسي : كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به . أريد شرحاً لهذا الحديث . ولماذا خص الصوم بهذا التخصيص أفيدوني بارك الله فيكم ؟
الجواب : هذا حديث عظيم وثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه عز وجل أنه قال : " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به "(1)البخاري ، فهذا الحديث فيه فضيلة الصيام ومزيته من بين سائر الأعمال وأن الله اختصه لنفسه بين أعمال العبد . وقد أجاب أهل العلم عن قوله : " الصوم لي وأنا أجزي به " بعدة أجوبة منهم من قال : إن معنى قوله تعالى : " الصوم لي وأنا أجزي به " أن أعمال ابن آدم قد يجري فيها القصاص بينه وبين المظلومبن ، فالمظلومون ، يقتصون منه يوم القيامة بأخذ شيء من أعماله وحسناته كما فالحديث : " إن الرجل يأتي يوم القيامة بأعمال صالحة أمثال الجبال ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا ، فيؤخذ لهذا من حسناته ولهذا من حسناته حتى إذا فنيت حسناته ولم يبق شيء فإنه يؤخذ من سيئات المظلومين وتطرح عليه ويطرح في النار "(2)مسلم . إلا الصيام فإنه لا يؤخذ للغرماء يوم القيامة وإنما يدخره الله عز وجل للعامل يجزيه به ، ويدل على هذا قوله : " كل عمل ابن آدم له كفارة إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به " أي أن أعمال بني آدم يجري فيها القصاص ويأخذها الغرماء يوم القيامة إذا كان ظلمهم إلا الصيام فإنه يحفظه ولا يتسلط عليه الغرماء ويكون لصاحبه عند الله عز وجل .
وقيل : إن معنى قوله تعالى : " الصوم لي وأنا أجزي به " أن الصوم عمل باطني لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى فهو نية قلبية بخلاف سائر الأعمال فإنها تظهر ويراها الناس أما الصيام فإنه عمل سرى بين العبد وبين ربه عز وجل ولهذا يقول : " الصوم لي وأنا أجزي به إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي " ، وكونه ترك شهوته وطعامه من أجل الله هذا عمل باطني ونية خفية لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى بخلاف الصدقة مثلاً و الصلاة والحج و الأعمال الظاهرة يراها الناس ، أما الصيام فلا يراه أحد لأنه ليس معنى الصيام ترك الطعام والشراب فقط أو ترك المفطرات لكن مع ذلك لابد أن يكون خالصاًلله عز وجل وهذا لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى .
ويكون قوله : " إنه ترك . . . : إلى آخره ، تفسيراً لقوله : " الصوم لي وأنا أجزي به " ومن العلماء من يقول : إن معنى قوله تعالى : " الصوم لي وأنا أجزي به " أن الصوم لا يدخله شرك بخلاف سائر الأعمال فإن المشركين يقدمونها لمعبوداتهم كالذبح والنذر وغير ذلك من أنواع العبادة وكذلك الدعاء و الخوف والرجاء فإن كثيراً من المشركين يتقربون إلى الأصنام ومعبوداتهم بهذه الأشياء بخلاف الصوم فما ذكر أن المشركين كانوا يصومون لأوثانهم ولمعبوداتهم فالصوم إنما هو خاص لله عز وجل ، فعلى هذا يكون معنى قوله : " الصوم لي وأنا أجزي به "أنه لا يدخله شرك لأنه لم يكن المشركون يتقربون به إلى أوثانهم وإنما يتقرب بالصوم إلى الله عز وجل .
الشيخ : صالح الفوزان
المرجع: موسوعة الاحكام الشرعية
الجزء الثاني الصفحة 6-7