الفنان الإيراني مرتضى كاتوزيان">>>c
مرتضى كاتوزيان ..
نبذة عن الفنان الإيراني مرتضى كاتوزيان بقلمه ..
عادة، في مقدمات كتب الفنانين، يُكتب التقديم من قبل الغير. وتلك المقدمات تستعمل لغة درامية
وشاعرية، فالغير سيغلق عينينه أمام العلل وسيبالغ في إظهار الجمال. وفي بعض الأحيان يقتبسون من الأعمال الأجنبية ومن أقوال النقاد ومحبي الفنون، وهم بذلك يعطون مقدمة أكثر فتنة. وأنما أعرف أن كتابتي لن تعادل كتابتهم من حيث الجاذبية والإغراء، ولكنني ما زلت مصراً على كتابتها بنفسي.
لست بحاجة لأن يقدمني أحد المؤلفين المشهورين أو شاعر بارز يقدم عني وجهة نظر، أو أن يتم تزييني بمصطلحات أنيقة، أو أن أبدو أكبر مما أنا عليه في كهف الغموض. ولذلك، ببساطة سأكتب ما هو ضروري أن يُقرأ عن فنان شاب، وعلى الباقي أن يتأملوا.
ولدت في طهران في الثاني من تموز (يوليو) عام 1943، في عائلة متوسطة الحال محبة للفن. توفي والدي وأنا في السابعة من عمري. وكان لأمي وأخي الأكبر فضل تنشئتي، حينذاك كان أخي في التاسعة عشر من عمره ويدرس الحقوق.
رسمت كثيراً جداً. لماذا؟ لا أعرف حقاً. ربما كان لدي موهبة أو ميل طبيعي للرسم. لم يكن لي لا أستاذ ولا معدات، ولكن تشجيع عائلتي أعطى تشجيعاً دافئاً لروحي.
بالمقارنة مع أطفال اليوم المنشغلين بالتلفاز والفيديو والكمبيوتر والذين غالباً ما نسمع أنهم يحطمون أعصابهم ولا وقت فارغ لديهم، فقد كان لدي متسع شاسع من الوقت قضيته في الرسم. وعندما كان المعلمون في مدرستي يرون أعمالي كان يرددون عبارة واحدة تشبه رسالة الهاتف مسبقة التسجيل فيقولون: هذا ليس من رسمك.
لا أريد أن أتعب القارئ بتفاصيل تلك السنوات. قضيت سنوات طفولتي ومراهقتي في الثقافة والرياضة والرسم. وفي سنة 1960 بدأت أعمالي الغرافيكية بانتاج الرسوم الإعلانية. وبهذا كسبت بعض النقود أثناء دراستي.
إن ممارسة الرسوم الإعلانية في تلك الأيام أمر لا يمكن مقارنته بمثيله في يومنا هذا. فالرسوم التصميمية كانت في طفولتها ولم يكن التصوير الفوتوغرافي أمراً شائعاً.
وباختصار، فإن حاجتي لعمل ذو مردود مادي سحبني للخلف بعيداً عن الرسم وربطني بالتصميمات الغرافيكية. ومع ذلك، لم أترك فرصة للرسم تفلت مني. في صيف 1962 عمات في استديو أخي الآخر، الذي كان رساماً بارزاً، ولكنني لم أستمر أكثر من بضعة شهور لأسباب مختلفة.
لم أكن أرضى بما حدث ويحدث، وفكرت بأنني أبدد عطية ربانية. وعلاوة على ذلك، فإن الطموح المحدود للرسوم الإعلانية لم يكن كافياًَ لروحي الظمئة. وبالتدريج طورت ميلاً للرسوم بالألوان المائية. فرسمت ما يمكن استعماله غرافيكياً ويبقي محبة الرسم حية عندي.
اشتريت المعدات اللازمة وشرعت بالعمل. البعض أبلغني أن هذا نوع من الخصوصية الأجنبية، ولكنني لم أعرهم أذنا صاغية. ودرست أعمالسادة هذا المجال، واستغليت الوقت كله بالتدريب والممارسة بدون معلم. وبالتدريج، بدأت أعمالي تتخذ شكلاً. وخلال عدة سنوات أصبحت ذو مستوى احترافي بعملي.
في الفترة الواقعة ما بين 1974 - 1975 كان التصوير الفوتوغرافي الملون في إيران ما زال في مرحلته البدائية ولم أستطع تلبية الاحتياجات. ولذلك فقد اعتدت على رسم كل ما أحتاجه للبروشورات التجارية والرسومات الإعلانية، أجهزة صناعية كانت أو بشراً. الكثير من الأخصائيين الإعلانيين الأجانب الذين زاروا إيران من أجل مشاريع صناعية لم يصدقوا أن أعمالي تم تنفيذها هنا بإيران.
وبالرغم من كونه عملاً صعباً وليس من ضمن هواياتي، فقد زاد من خبرتي وبراعتي ومهارتي إلى أن أصبحت لا أخشى أن أرسم أي شيء أو شكل مهما بلغت صعوبته. وحققت بذلك ربحاً مادياً وفيراً أيضاً، ولكن بقيت مؤمناً أنه مجرد وسيلة لإنهاء هذا التحول الصناعي، وسيلة بلا معنى في سلسلة ما هو مستهلَك.
في 1974، تم تنظيم معرض طهران العالمي للرسوم الغرافيكية، المعرض الذي ائتمنني عن طريق المؤسسة العالمية I.A.A. انتهاء المعرض بنجاح بالغ أثبت مقدرتي الاحترافية وطور وضعي للأفضل. وهذا لم يكفني، كان لدي شعور أجوف. خلال توحدي في الشارع والحديقة وفي أي مكان كانت لدي فرصة فيه كنت أرسم سكتشات (رسومات مبدئية). ثم أعيد ترتيب الأفكار ليلاً على الورق.
خلال تلك السنوات تمكنت من وضع أعمال متعددة كانت رؤوساً بين نظيراتها، شارات شركات، بروشورات، إعلانات صحفية، ملصقات وأساسيات رسوم منقولة، صناديق، بطاقات شخصية، أغلفة كتب، وأكثر من مائة بوستر ملون.
ولكن، كما قلت سابقاً، لم يكن كل ذلك مُرضياً ونتيجته بدت غير حقيقية أصابتني باكتئاب وآلمتني كثيراً.
في أوقات فراغي مارست رياضة الكاراتيه لزيادة قدراتي الذهنية والجسدية. وفي حزيران 1979، ولأول مرة في إيران، كنت قادراً على إحراز الحزام الأسود. وفي السنوات اللاحقة قمت بتدريب تلاميذ قديرين في هذا المجال. العديد منهم الآن في المراتب العليا وهم دائماً معتبرون من ضمن إنجازاتي الشخصية.
تزوجت عام 1973. والنتيجة فتاة 13 عاماً، وولد 12 عاماً. في هذه الفترة تركت الرياضة العنيفة وقسمت وقتي لقسمين، الأول: 8 ساعات للرسم الاحترافي لإمكانية العيش، والثاني: هو بقية الوقت حتى في العطلات وساعات الليل للرسم لنفسي.
وبسبب عدم وجود أستاذ لي فقد كان مكن الضروري أن أختبر كل شيء بنفسي. كان ذلك صعباً وهادراً للوقت، ولم يكن هدفي هنا هو بيع اللوحات أو عرضها لأي كان. كنت فقط أريد أن أتعلم وأدرس. كنت أبحث عن وسيلة تصف وتعبر جيداً عن أحاسيسي.
بالتدريج، تركت كل الأدوات التي أستعملها حتى ذلك الوقت ماعدا قلم الرصاص. خصصت أغلب الوقت للرسم الزيتي. لأن الرسم الزيتي أوسع مجال للرسم. واحتجت لثمان سنوات لأكرر تجربة خبرتي في الرسوم المائية مع الرسم الزيتي.
بالطبع، كان هناك نقد. أتذكر منه النقاط الجيدة ونسيت الباقي. تماماً كما في السابق. أحدهم سأل كم عملت في الرسم وأجبت رسمت منذ الطفولة ولأكثر من ثلاثين سنة احترافــــاً. وسأل ثانية إذا ما كان مجديا التضحية بأجمل سنين عمري من أجل رسوم قليلة وأجبت أن هذا حدث معي ولم يكن باختياري، حدث بمعزل عن الحاجة والضرورة، حدث قدرياً.
بعض المشاهير قالوا ذلك، التجربة والفكرة حتى وإن لم يكتملا وحتى وإن تضمنا أخطاءاً، أفضل من التسكع وما يترتب عليه من حماقة, الخوف من التفكير والعمل، فقط لتجنب الأخطاء يسبب إعاقة للإنسان الراغب بالتطور والإبداع.
ومع ذلك، لن أتوقف عن المضي في طريقي، وسأحصل على إلهامي من الفن النقي ليقودني للطريق المستقيم ومرآة قلبي ستعكسه والناس ستحتضنه.
مرتضى كاتوزيان
آب (أغسطس) 1989
بعض لوحاته الفنية...
دمتم بود