
تابع لما قبله (( 7 ))
وذلك أن ( الصلاة ) هي أعرف المعروف من الأعمال ، وهي عمود الإسلام و أعظم شرائعه ، وهي قرينة الشهادتين ، و إنما فرضها الله ليلة المعراج وخاطب بها الرسول بلا واسطة ، لم يبعث بها رسولاً من الملائكة ،وهي آخر ماوصّى به النبي صلى الله عليه وسلم أمته ، وهي المخصوصة بالذكر في كتاب الله تخصيصاً بعد تعميم ، كقوله تعالى : {والذين يمسكون بالكتاب و أقاموا الصلاة} . وقوله: {اتل ما أوحي إليك ، من الكتاب و أقم الصلاة} . وهي المقرونة بالصبر ،وبالزكاة ، وبالنسك وبالجهاد في مواضع من كتاب الله كقوله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة }. وقوله:{و أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} وقوله:{إن صلاتي ونسكي} وقوله:{أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً } وقوله:{و إذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم ، فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ، ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم و أسلحتهم} إلى قوله: { فإذ اطمأننتم فأقيموا الصلاة ، إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً }.
وأمره أعظم من أن يحاط به ، فاعتناء ولاة الأمر بها يجب أن يكون فوق اعتنائهم بجميع الأعمال ، لهذا كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكتب إلى عماله : إن أهم أمركم عندي الصلاة من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ، ومن ضيعها كان لما سواها أشد إضاعة . رواه مالك وغيره . ويأمر المحتسب بالجمعة والجماعات ، وبصدق الحديث و أداء الأمانات.
[ الاحتساب في المعاملات المحرمة]
وينهى عن المنكرات : من الكذب والخيانة ، وما يدخل في ذلك من تطفيف المكيال والميزان والغش في الصناعات ، والبياعات ، والديانات ، ونحو ذلك قال الله تعالى :{ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}. وقال في قصة شعيب : {أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين ، وزنوا بالقسطاس المستقيم ،ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين}. وقال تعالى: {إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً} وقال:{و أن الله لايهدي كيد الخائنين} . وفي الصحيحين عن حكيم بن حزام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( البيعان بالخيار مالم يتفرقا ، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما )). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها ، فنالت أصابعه بللاً ، فقال: (( ما هذا يا صاحب الطعام ؟ فقال: أصابته السماء يا رسول الله ! قال : أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس ! من غشنا فليس منا )). وفي رواية : (( من غشني فليس مني )). فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الغاش ليس بداخل في مطلق اسم أهل الدين والإيمان ، كما قال : (( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولايشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن )). فسلبه حقيقة الإيمان التي بها يستحق حصول الثواب والنجاة من العقاب ، وإن كان معه أصل الإيمان الذي يفارق به الكفار ويخرج به من النار .
والغش يدخل في البيوع بكتمان العيوب وتدليس السلع ، مثل أن يكون ظاهر المبيع خيراً من باطنه ، كالذي مر عليه النبي صلى الله عليه وسلم و أنكر عليه . ويدخل في الصناعات مثل الذين يصنعون المطعومات من الخبز والطبخ والعدس والشواء وغير ذلك ، أو يصنعون الملبوسات كالنساجين والخياطين ونحوهم ، أو يصنعون غير ذلك من الصناعات ، فيجب نهيهم عن الغش والخيانة والكتمان . ومن هؤلاء ( الكيماوية ) الذين يغشون النقود والجواهر والعطر وغير ذلك ، فيصنعون ذهباً أو فضة أو عنبراً أو مسكاً أو جواهر أو زعفراناً أو ماء ورد أو غير ذلك ، يضاهون به خلق الله ، ولم يخلق الله شيئاً فيقدر العباد أن يخلقوا كخلقه ، بل قال الله عز وجل فيما حكى عنه رسوله : (( ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة ! فليخلقوا بعوضة ! )) . ولهذا كانت المصنوعات مثل الأطبخة و الملابس و المساكن غير مخلوقة إلا بتوسط الناس ، قال تعالى :{وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ، وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} وقال تعالى :{ أتعبدون ماتنحتون ، و الله خلقكم وما تعملون}. وكانت المخلوقات من المعادن والنبات والدواب غير مقدورة لبني آدم أن يصنعوها ، لكنهم يشبهون على سبيل الغش ، وهذا حقيقة الكيمياء ، فإنه المشبه ، وهذا باب واسع قد صنف فيه أهل الخبرة مالا يحتمل ذكره في هذا الموضع .
ويدخل في المنكرات ما نهى الله عنه ورسوله من العقود المحرمة ، مثل عقود الربا والميسر ، ومثل بيع الغرر وكحبل الحبلة ، والملامسة والمنابذة وربا النسيئة وربا الفضل ، وكذلك النجش ، وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها وتصرية الدابة اللبون وسائر أنواع التدليس .