
تابع لما قيبله (( 6 ))
الفصل الثاني
[ اختصاصات الولايات الإسلامية ]
عموم الولايات وخصوصها وما يستفيده المتولي بالولاية يتلقى من الألفاظ والأحوال والعرف ، وليس لذلك حد في الشرع ، فقد يدخل في ولاية القضاة في بعض الأمكنة والأزمنة ما يدخل في ولاية الحرب في مكان وزمان آخر ، و بالعكس ،وكذلك الحسبة وولاية المال .
وجميع هذه الولايات هي في الأصل ولاية شرعية ومناصب دينية ، فأي من عدل في ولاية من هذه الولايات فساسها بعلم وعدل و أطاع الله و رسوله بحسب الإمكان فهو من الأبرار الصالحين ، و أي من ظلم وعمل فيها بجهل فهو من الفجار الظالمين، إنما الضابط قوله تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم و إن الفجار لفي جحيم} .
وإذا كان كذلك ، فولاية الحرب في عرف هذا الزمان في هذه البلاد الشامية والمصرية تختص بإقامة الحدود التي فيها إتلاف ، مثل قطع يد السارق وعقوبة المحارب ونحو ذلك ، وقد يدخل فيها من العقوبات ما ليس فيه إتلاف ،كجلد السارق ، ويدخل فيها الحكم في المخاصمات والمضاربات ، ودواعي التهم التي ليس فيها كتاب وشهود ، كما تختص ولاية القضاء بما فيه كتاب وشهود ، وكما تختص بإثبات الحقوق والحكم في مثل ذلك ، والنظر في حال نظار الوقوف و أوصياء اليتامى ، وغير ذلك مما هو معروف .
وفي بلاد أخرى كبلاد المغرب: ليس لوالي الحرب حكم في شيء ، وإنما هو منفذ لما يأمر به متولي القضاء، وهذا اتبع للسنة القديمة ولهذا أسباب من المذاهب والعادات مذكورة في غير هذا الموضع .
وأما المحتسب فله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما ليس من خصائص الولاة والقضاة وأهل الديوان ونحوهم ، وكثير من الأمور الدينية هو مشترك بين ولاة الأمور ، فمن أدى فيه الواجب وجبت طاعته فيه ، فعلى المحتسب أن يأمر العامة بالصلوات الخمس في مواقيتها ويعاقب من لم يصل بالضرب والحبس ،وأما القتل فإلى غيره ، ويتعهد الأئمة والمؤذنين ، فمن فرط منهم فيما يجب من حقوق الإمامة أو خرج عن الأذان المشروع ألزمه بذلك ، و استعان فيما يعجز عنه بوالي الحرب والحكم ، وكل مطاع يعين على ذلك .