الإهداءات


العودة   (شبكة ومنتديات الشميلات الرسمية) >

®§][©][ المنتدى الثقافي والأدبــــي][©][§®

> واحة القصص و الحكايات

واحة القصص و الحكايات [ قصص واقعية وروايات خياليه ]

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-11-2009, 11:10 PM   #61
معلومات العضو
alshemailat
 
إحصائية العضو









:

كيوت قيرل غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
 
0 عضووهـ جديده تبي ترحيييب :d

إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
كيوت قيرل is on a distinguished road

افتراضي رد: قصة اليتيمةالتي أثارت الجدل في( الحلقتين السادسة عشر والسابعة عشر)

يسلمووو على القصه الرائعه
تقبل مروري البسيط.

 

 

 

 


كيوت قيرل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-11-2009, 06:16 PM   #62
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية فرحان الزعيلي
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
فرحان الزعيلي is on a distinguished road

افتراضي رد: قصة اليتيمةالتي أثارت الجدل في( الحلقتين السادسة عشر والسابعة عشر)

كيوت قيرل
الله يسلمك
وشكرا لك على مروروك
لك كل التقديري

 

 

 

 


 لا الله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين

فرحان الزعيلي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-11-2009, 01:00 AM   #63
معلومات العضو
alshemailat
 
الصورة الرمزية الشميلاني
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
الشميلاني is on a distinguished road

افتراضي رد: قصة اليتيمةالتي أثارت الجدل في( الحلقتين السادسة عشر والسابعة عشر)

فرحان الزعيلي

قصه اكثر من رائعه وقد قرأت جميع حلقاتها فوجدت

روعة الأختيار وتميز بالطرح وهنا نقف لنقول لك

الف شكر اخوي فرحان فلا تحرمنا من جديدك

دمت بود وعافيه

 

 

 

 


 لا الله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين

صورة توقيعك الأصلية

الشميلاني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-11-2009, 03:25 AM   #64
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية فرحان الزعيلي
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
فرحان الزعيلي is on a distinguished road

افتراضي رد: قصة اليتيمةالتي أثارت الجدل في( الحلقتين السادسة عشر والسابعة عشر)

الشميلاني
الرائع هو جمال ردك
الذي اسعدني
لك كل التقدير والاحترام

 

 

 

 


 لا الله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين

فرحان الزعيلي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-11-2009, 08:15 PM   #65
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية فرحان الزعيلي
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
فرحان الزعيلي is on a distinguished road

افتراضي رد: قصة اليتيمةالتي أثارت الجدل في( الحلقتين السادسة عشر والسابعة عشر)


حلقة الثامنة عشر
**********
~ القرار الأخير ~
أفقت من غفوتي القصيرة ...
كنت أجلس على أريكة بمحاذاة الشاطئ ، تتدلى قدماي في مياه البحر و تعانقان أمواجه الراقصة ...
الهواء كان منعشا جدا و البحر غاية في الجمال ... منظر لم تره عيناي منذ سنين
إنها المرة الأولى منذ تسع سنين ، التي يبتهج فيها صدري و أنا بين أهلي و أحبابي ...
أصوات مجموعة من الأطفال تغلغلت في أعماق أذني و أيقظتني من راحتي النادرة
ما إن فتحت عينيّ الناعستين حتى تلقتا منظرا جعلني أقف منتصبا فورا !
كانت رغد ... صغيرتي الحبيبة ... خطيبة أخي الوحيد ... تجلس على الرمال المبللة تعبث بالماء ... إلى جواري تماما !
نهضت و قد أصابني الروع !
و سرعان ما هبت هي الأخرى واقفة ، تنظر إلي ...
وجّهتُ سهام بصري إلى البحر ... ليبتلع أي شعور يفكر في الاستيقاظ في داخل قلبي ... و خطوت مبتعدا عنها
استوقفتني ، فأخبرتها بأنني ماض للسباحة فقالت بسرعة :
" انتظر ! سأعود لأمي ... "
لم أعرف ما إذا كانت تقصد مني مرافقتها أو مراقبتها تحديدا ، إلا أنها حين سارت مبتعدة بقينا أنا و سامر ـ و الذي خرج من الماء للتو و وقف إلى يساري لا يفصلني عنه غير شبرين ـ نراقبها و هي تبتعد ...
و حين ظهر فتى في طريقها يريد أخذ كرة القدم التي تدحرجت منه نحوها ، اضطربت صغيرتي ... و استدارت نحونا ... و أقبلت مسرعة و أمسكت بذراعي اليمنى و اختبأت خلفها !
أنا طبعا وقفت كالجدار لا أحس بشيء مما حولي و لا أعرف ماذا يحدث و ماذا علي أن أفعل !
أردت أن أسحب ذراعي لكنها غرست أظافرها بي و آلمتني ...
الفتى ذاك كان يحمل الكرة و ينظر بتعجب نحونا
و أمي و دانه أيضا تنظران بتعجب
أما النظرات التي لم أعرف ما طبيعتها هي نظرات أخي سامر ...
" صغيرتي ... صغيرتي ... لا بأس عليك ... اهدئي أرجوك "
رغد الآن تنظر إلى و قد اغرورقت عيناها بالدموع ، و قالت بانفعال و اضطراب :
" لماذا لم تأتِ معي ؟ لماذا تركتني وحدي ؟ هل تريد أن يؤذيني أحد بعد ؟ "
كلمتها هذه جعلت عضلاتي تنقبض جميعها فجأة ، و لا شعوريا مسكت أنا بيديها و شددت عليهما بقوة ...
لحظة جحيم الذكرى ... و أعيينا تحدق ببعضها البعض بحدة ... من عيني يقدح الشرر الحارق ... و من عينها تنسكب الدموع المجروحة ... و في بؤبؤيها أرى عرضا للشريط المشؤوم اللعين ... و صورة لعمّار يبتسم ... و الحزام يتراقص ...
" لكنت ُ قتلته "
نطقت بهذه الجملة لا إراديا و أنا أحدق بها في نظرات ملؤها الشر ... و القهر ...
لقد شعرت بأشياء تتمزق بداخلي ... و أشياء تعتصر ... و أشياء تتوجع و تصرخ ...
كيف لي أن أتحمل موقفا كهذا ؟؟
لو ظل سامر صامتا ، ربما بقيت شهورا واقفا عند نفس النقطة ، إلا أن صوته قطع الحبال المشدودة و أرخى العضلات المنقبضة
" رغد ... "
أطلقنا نظراتنا المقيدة ببعضها البعض و سمحنا لها بالانتقال إلى عيني سامر ...
لا يخفى عليكم الذهول و الحيرة و الدهشة التي كانت تغلف وجه سامر الواقف ينظر إلينا ...
قال :
" رغد ... عزيزتي ... "
و لم ينطق بعدها بجملة واضحة تفسر التعبيرات الغامضة المرسومة على وجهه الحائر ...
رغد الآن بدأت تمسح دموعها و قد هدأت نوعا ما ...
الآن ... تصل أمي و أختي ... و تستدير رغد إليهما ، و تنطق بمرارة :
" قلت لك لا أستطيع ... لا أريد المجيء ... لا أستطيع ... لا تتركوني وحدي "
و انخرطت في مزيد من البكاء المؤلم
أمي أحاطتها بذراعيها و أخذت تتمتم بكلمات لم استطع استيعابها من هول ما أنا فيه ...
ثم رأيتهن هن الثلاث ، رغد و أمي و دانة ، يبتعدن عائدات من حيث أتين ...
سامر ظل واقفا لثوان أخرى ، ثم هم باللحاق بهن ... و حانت منه التفاتة إلي ... فرآني و أنا أنهار على الرمال و أضغط بيدي على معدتي و أتأوه ألما ...
لقد شعرت بأشياء تتمزق و تعصر في أحشائي ... و دوار داهمني دون إنذار مسبق ... و خور و وهن مفاجئ في بدني ... فهويت أرضا ...
كنت أعرف أن قلبي ينزف من الداخل ، كما تنزف أنسجة جسدي كله من شدة الموقف و قسوته ... و شعرت بالدماء تجري بكل الاتجاهات في جسمي ... و أحسست بها تصعد من جوفي ... و تملأ فمي ... ثم تخرج و تنسكب على الرمال ملونة إياها هي و يدي المرتكزة عليها باللون الأحمر ...
الآن ... تستطيع عيناي رؤيتها بوضوح ... تماما كما ترى النور ...
دماء حقيقية خرجت من جوفي ممزوجة بعصارة معدتي المتلوية ألما ...
" وليد ! "
رفعت رأسي ، فإذا بي أرى سامر ينظر إلى موضع الدماء بذعر ...
" ما هذا ؟؟ "
ما هذا ؟ أظن أنها دماء ! و هي المرة الأولى التي تخرج فيها دمائي من جوفي ... و أنا أشعر بألم حاد جدا في معدتي ...
ما هذا ؟
أظن أن هذا عرضٌ لمرض ٍ ما ...
بعد فترة ... كنا نجلس قرب موقد الجمر ، نستنشق الأدخنة المتصاعدة من المشويات ... و نتلذذ برائحتها الشهية ...
كان والدي يقلب الأسياخ و يهف الجمر ... و كلما نضج اللحم في أحد الأسياخ دفعه إلى واحد منا ، فيلتهمه بشهية كبيرة ...
و الآن جاء دوري ...
" تفضل يا وليد "
كنت أود مشاركتهم هذه الوجبة اللذيذة التي لم أذق لها مثيلا منذ سنين ... لكن الآلام الحادة في معدتي حالت دون إقبالي على الطعام ...
" شكرا أبتاه ... لا أستطيع التهامها فمعدتي مضطربة جدا "
قال سامر :
" لقد تقيأ دما قبل قليل "
الجميع ينظر إلى الآن بقلق ...
ابتسمت و قلت :
" ربما أكلت شيئا لم تتقبله ! لا تكترثوا "
أمي قالت بقلق :
" بني ... عساه خيرا ؟؟ "
" لا تقلقي أماه ... ستهدأ بالصيام لبعض الوقت "
ثم حاولت تغيير مجرى الحديث ...
أبي مد سيخ اللحم المشوي نحو الشخص التالي قائلا :
" نصيبك يا رغد "
رغد كانت تجلس على مؤخرة البساط ، بعيدة عن موقد الجمر الذي نجتمع قربه ...
رغد نهضت ، و أقبلت نحونا و مدت يدها و أخذت السيخ ، ثم همت بالعودة إلى المؤخرة ...
نهضت أنا و قلت :
" تفضلي هنا ... أنا سأتمشى قليلا "
و ابتعدت كي أدع لها المجال لتجلس مكاني ، قرب الجميع ... و تستمتع معهم بوجبة الشواء الشهية ...
ذهبت أولا نحو سيارة أخي ، و استخرجت علبة السجائر التي كنت أضعها في جيب بنطالي الذي استبدلته بملابس السباحة ... ثم انطلقت إلى البحر ... و جلست على الرمال ... أدخن بشرود
صوت أبي الجهور كان يصلني خافتا ضاحكا ... إذن فالجميع يستمتعون بوقتهم ... كم أتمنى لو أعود للحياة الدائمة معهم ... ليتني أستطيع ذلك ...
ليتني أستطيع رمي الماضي في قلب البحر ... و نسيانه ...
بعد قرابة النصف ساعة جاءتني دانة
ابتسمت عند رؤيتي لها ، فابتسمت هي الأخرى إلا أنها سرعان ما حملقت بي بتعجب ...
" أنت تدخّن ؟؟ "
مرّغت السيجارة التي كانت في يدي في الرمل المبلل ، إلى جوار أختها السابقة ... و ابتسمت ابتسامة واهنة تنم عن الاستسلام و القنوط ...
" عادة سيئة ... لا خلاص منها ! "
دانه جلست إلى جانبي و أخذت تراقب الأمواج المتلاطمة ... ثم قالت :
" لم أكن أعلم بذلك ! لو كان نوّار يدخن لرفضت الارتباط به ! لا أطيق رائحة هذه المحروقة السامة ! "
قلت ببعض الخجل :
" معذرة "
ثم أضافت مداعبة :
" و على فكرة ... فإن جميع الفتيات مثلي أيضا ! و إن استمررتم في التدخين فسوف تسببون أزمة عزّاب و عوانس ! "
أطلقتُ ضحكة عفوية على تعليقها خرجت من أعماق صدري ممزوجة ببقايا الدخان!
قلتُ بعد ذلك :
" إذن ... هل استعديتما للزفاف ؟؟ "
بشيء من الخجل قالت :
" تقريبا ... إنه يريد أن نتزوج بعد عودة والديّ من الحج مباشرة ! أبي يود تأجيل ذلك شهرين أو ثلاثة ... أما والدتي فتراه موعدا مناسبا جدا ، و تريد أن يتزوج سامر و رغد معنا دفعة واحدة ! "
و هذا خبر ليس فقط يحبس الأنفاس في صدري و يعصر معدتي ، بل و يستل روحي من جسدي ... و لن أعجب إن رأيتها تنسكب على الرمال أمامي كما انسكبت دمائي قبل قليل !
في هذه اللحظة أقبل سامر و رغد ... لينضموا إلينا
قال سامر :
" هل لنا بالانضمام إليكما ؟ تركنا الوالدين يشويان السمك ! "
قالت دانة ضاحكة :
" أوه أمي ! من سيلتهم المزيد ؟ أخبرتها ألا تحضر السمك و لكنها مولعة به كثيرا ! "
و استدارت نحوي :
" وليد كيف معدتك الآن ؟ ألا تحب أن تتناول بعض السمك المشوي ؟؟ "
" كلا ، لا طاقة لي بالطعام هذه الليلة "
و جلس سامر إلى جانبي الآخر ، و رغد إلى جانب دانة ...


قال :
" فيم كنتما تتحدثان ؟؟ "
قالت دانة :
" فيكما أنت و رغد ! كنت أخبر وليد أنكما حتى الآن لم تتخذا قرارا نهائياحاسما بشأن موعد الزفاف ! "
سامر ابتسم و قال :
" أنا جاهر و في انتظار أوامر العروس ! "
العروس هي رغد ! و رغد هي صغيرتي الحبيبة ... التي كنت أحلم بالزواج منها ذات يوم ... ثم فقدتها للأبد ... فهل لكم أن تتخيلوا حالي هذه اللحظة ؟؟
قالت دانة :
" هيا يا رغد ! قولي نعم و دعينا نحتفل سوية ! "
ثم غيرت النبرة و قالت مداعبة :
" و لكن كوني واثقة من أنني سأكون الأجمل بالتأكيد ! "
أذناي طارتا نحوها ، حتى كادتا تلتصقان بشفتيها أو حتى تخترقان أفكارها لأعلم ما ستقوله قبل أن تقوله ... تكلمي رغد ؟؟
رغد ظلت صامتة ... و أنا أذناي تترقبان بصبر نافذ ... هيا يا رغد قولي أي شيء ... ارمني بسهام الموت واحدا بعد الآخر ...
اطعنيني بخناجر الغدر و حطمي قفصي الصدري و مزقي الخافق الذي ما فتئ يحبك مذ ضمك إليه طفلة يتيمة وحيدة ... توهم أنها خلقت من أجله فجاءت قذائفك تدمر قلعة الوهم التي بنيتها و عشت بداخلها 15 عاما ... أو يزيد ...
و أقسم ... أقسم أنك لو تزوجت مع شقيقتي في نفس الليلة ، فإني سأتخلى عنها و أخذلها و أدفن نفسي بعمق آلاف الأميال تحت الأرض ، لئلا أحضر أو أشارك أو أبارك ليلة تزفين فيها إلى غيري ... مهما كان ...
بعد كل هذه المشاعر التي تصارعت في داخلي في ارتقاب كلمتها التالية ... و أذاني تصغيان باهتمام و تركيز شديدين أكاد معهما أسمع دبيب النمل ...
بعد كل هذا ... جاءني السهم المباغت التالي :
" وليد ... ما رأيك ؟؟ "
أنى لي أن أصف ما أود وصفه و أنا بحال كهذه ؟؟
تسألينني أنا عن رأيي ؟؟ رأيي في ماذا ؟؟
في أن تتزوجي شقيقي اليوم أو غدا أو بعد قرن ؟؟
في أن تذبحيني اليوم أو غدا ... أو بعد قرن ؟؟
أتشهد أيها البحر ؟؟
ألا يا ليتك تبتلعني هذه اللحظة ... فأمواجك العاتية ستكون أكثر لطفا و رحمة بحال رجل تسأله حبيبة قلبه : ما رأيك بموعد زفافي !
تحركت يداي إلى علبة السجائر الموضوعة على الأريكة الجالسة خلفي ، و تناولت واحدة و أشعلتها في محاولة مستميتة للفرار من جملة رغد ، التي كنت قبل ثواني أتوق لسماعها و أرسل أذنيّ نحو لسانها لالتقاط الجملة بسرعة فور خروجها ...
بدت اللحظة التالية كالساعة بل كالقرن في طولها ..
سحبت نفسا عابقا بالدخان المنبعث من السيجارة المضغوطة بين شفتي ...
و أطلقت زفرة قوية ... حسبت معها أن روحي قد انطلقت ، و الدخان قد لوث الكرة الأرضية بكاملها ...
قلت ... بعدما عثر لساني على بضع كلمات مرمية على جانبية :
" الأمر عائد إليكما "
و وقفت ...
و قلت :
" معذرة ... سأدخن في مكان آخر "
و انصرفت عنهم ...
سرت ُ مبتعدا ، و وقفت موليا إياهم ظهري ... انفث السموم من و إلى صدري و أقاوم آلام قلبي و معدتي ... و أحترق .
بعد فترة ، انتهت رحلتنا و آن أوان العودة إلى البيت ...
لم أكن أريد أن أركب سيارة سامر ... فقربه و قربها مني يعني مزيدا من الألم و الاحتراق ، لكنني حين رأيت دانة تركب سيارة والدي ، و رغد تقف عند سيارة سامر ... توجهت تلقائيا و جلست على المقعد الأمامي ، لأمنعها من الجلوس عليه !
مشوار العودة كان طويلا مملا ... فقد التزمنا الصمت ... و رغد نامت !
" وصلنا عزيزتي ! "
قال سامر ذلك و هو يلتفت إلى الوراء ، ليوقظ رغد ...
كنا قد وصلنا قبل الآخرين ...
فتحت أنا الباب و هبطت من السيارة ، و رأيت رغد تستفيق ...
ذهبت إلى مؤخرة السيارة أفرغ حقيبتها من حاجيات الرحلة ، ثم أحملها إلى داخل المنزل ...
و أقبل سامر يساعدني ، و حين وصلت إلى الباب ، جاءت رغد بمفتاح سامر و فتحته لي ... و انطلقت مسرعة نحو الباب الداخلي تفتحه على مصراعيه لأدخل بما تحمل يداي ، و أتجه نحو المطبخ ...
وضعت الأشياء في المطبخ و استدرت راغبا في العودة لجلب البقية ... رغد واقفة عند باب المطبخ تراقبني ...
حين مررت منها ...
" وليد "
وقفت ... و عاودني الشعور بالألم في معدتي فجأة ... يكفي أن أسمعها تنطق باسمي حتى تتهيج كل أوجاعي ...
لم أرد ، و لكنني توقفت عن السير منتظرا سماع ما تود قوله ...
" وليد "
عادت تناديني ... تعصرني ...
" نعم ؟؟ "
قالت :
" ألم يعد يهمك أمري ؟؟ "
فوجئت بسؤالها هذا فالفت إليها مندهشا ...
كانت عيناها حمراوين ربما من أثر النوم ... و لكن القلق باد عليهما ...
" لم تقولين ذلك !؟ "
قالت :
" لم لم تبد ِ رأيك بشأن زواجي ؟؟ "
تصاعدت الدماء المحترقة إلى شرايين وجهي و ربما إلى حلقي لكنني ابتلعتها عنوة
قلت :
" إنه أمر يخصكما وحدكما ... و لا شأن لي به "
رغد هزت رأسها اعتراضا ثم قالت :
" لكن وليد ... أنا ... "
و لم تتم الجملة ، إذ أن أخي سامر أقبل يحمل بعض الأغراض ، فسرت أنا خارجا لجلب المتبقي منها ...
فيما بعد ، و سامر يحمل بطانية و وسادة قاصدا الذهاب للنوم في غرفة الضيوف و تركي أنام في غرفته ، كما أصر ... و قبل أن يخرج من الغرفة توقف و قال :
" وليد ... هل لي بسؤال ؟ "
" تفضل ؟؟ "
تأملني لحظة ثم قال :
"وليد ... لماذا ... قتلت عمّار ؟؟ "
~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~
ذهبت مباشرة إلى غرفتي ، قبل أن تحضر أمي و دانه ثم تطلبان مني مساعدتهما في الغسل و التنظيف ...
فأعمال المنزل هي آخر آخر شيء أفكر بالقيام به في هذه الساعة ، و هذه الحال
يكاد قلبي ينفطر أسى ... لحقيقة مرة أتجرعها رغما عني
وليد لم يعد يهتم لأمري ... و لم أعد أعني له ما كنت و أنا طفلة صغيرة ...
ربما ظن الجميع أنني أويت لفراشي و نمت ... فعادتي أن أنام مبكرة ، إلا أنني قضيت ساعات طويلة في التفكير و الحزن ... و الألم و الدموع أيضا
لماذا يعاملني وليد بكل هذا الجفاء و يبتعد كلما اقتربت ؟؟
و دليل آخر ... تكرر صباح اليوم التالي ...
فقد نهضت متأخرة ... و وجدت الجميع مجتمعين في غرفة المعيشة يتناقشون حول أمور شتى ...
دخلت الغرفة فتوقف الجميع عن الحديث ، و ألقيت تحية الصباح ... ثم خطوت باتجاه أحد المقاعد راغبة في مشاركتهم أحاديثهم ...
و الذي حدث هو أن وليد نهض ، و هم بالمغادرة ...
شعرت ُ بألم حاد في صدري ...
قلت :
" كلا ... ابق حيث أنت ... أنا عائدة إلى غرفتي ... اعتذر على إزعاجكم "
و استدرت بسرعة مماثلة للسرعة التي بها انهمرت دموعي ...
و غادرت المكان ...
ذهبت إلى غرفتي و سبحت في بحر دموعي ...
وافتني أمي بعد قليل و رأتني على هذه الحال
" رغد يا عزيزتي ... لا تأخذي الأمر بهذه الحساسية ! إنه لا يقصد شيئا ... لكنه الحياء ! "
انفجرت و تفوهت بجمل لم أفكر فيها إلا بعد خروجها ، من شدة تأثري ...
قلت :
" إذا كان وجودي في هذا البيت يزعجه فأنا سأرحل إلى بيت خالتي ... ليأخذ حريته التامة في التجول حيثما يريد "
أمي صدمت بما قلت ، و حملقت بي باندهاش ...
" رغد ! كيف تقولين ذلك ؟؟ "
" إنه يتعمد تجاهلي و تحاشي ّ ... كأنني فتاة غريبة و موبوءة ... أ لهذا الحد لم يعد يطيقني ؟ ألم أعد أعني له شيئا ؟؟ ألم يكن يعني لي كل شيء في الماضي ؟؟ "
و سكت ّ ُ ، التقط بعض الأنفاس و أمسح الدموع بكومة من المناديل متكدسة في يدي ... كنت أبكي بانفعال ...


تابعت ترتيب حجابي دون أن أعير جملتها هذه اهتماما ...
قالت :
" و أخي شاب جيد و يستحق فتاة رائعة مثلك ! "
و لم ألتفت إليها ! حتى لا أدع لها مجالا لفتح الموضوع مجددا !
و تابعت ارتداء عباءتي ...
" و وليد شاب جيد و يستحق فتاة رائعة مثلي ! "
استدرت فجأة نحو نهلة ... باضطراب و توتر و انزعاج جلي شديد ! ...
اصطدمت نظراتنا الحادة العميقة ... و بقينا لبضع ثوان نحملق في بعضنا البعض ...
نهلة أوقعت بي ...
إنها خبيثة !
كنظراتها التي ترشقني بها الآن ...
أتت نحوي ... و رفعت يدها و أمسكت بعباءتي و سحبتها ...
" رغد يا ابنة خالتي العزيزة ... لن تخرجي من هنا حتى أعرف ما حكايتك مع وليد ! "
بعد عشر دقائق كنت أجلس في السيارة إلى جانب سامر ...
" هل تحبين أن نتجول قليلا قبل العودة ؟؟ "
" كما تشاء "
قضينا قرابة الساعة نجول في شوارع المدينة ... و نتبادل الأحاديث ...
سامر ... و الذي لم يجد الفرصة السانحة قبل الآن لفتح الموضوع ، سرعان ما تطرق إليه ...
" الوقت يمضي يا رغد ... لقد بدأت أضيق ذرعا بالوحدة هناك ... لا أريد أن أخسر وظيفة ممتازة كهذه ، لكنني لا أريد أن أبقى بعيدا أطول من ذلك ... "
حرت و لم أجد تعقيبا ملائما ... و ربما صمتي أحبط سامر ... ففقد حماسه للمتابعة بعد بضع جمل ...
حينما وصلنا إلى المنزل ، وجدنا والدي ّ و وليد يجلسون في الفناء الخارجي ، حول الطاولة الصغيرة القريبة من الشجرة الطويلة ، بجانب الباب الداخلي ...
كان الجو جميلا ... و العصافير تغرد بحماس على أغصان الشجرة ... و الدخان يتصاعد من أقداح الشاي الموزعة على الطاولة ...
سامر كان يمسك بيدي ، ثم أطلقها و سار نحوهم بسرعة ...
" شاي أم وليد ! أين نصيبي ؟؟ "
و انضم إليهم ...
ألقيت نظرة على وليد فرأيته ينظر نحوي و لكن سرعان ما بدد نظراته نحو الفراغ ... لم يكن يريد النظر إلي ...
علي أن أنصرف قبل أن ينهض مغادرا ظانا بأنني سأنضم إليهم ...
توجهت نحو الباب و دخلت إلى الداخل ...
كنت بالفعل أتمنى أن أشاركهم ! و لكن لو فعلت ... فبالتأكيد سيغادر وليد ...
ما أن دخلت حتى وصلتني رائحة الكعك الشهية ! و سرت إلى المطبخ !
" دانه ! رائحة كعكتك زكية جدا ! دعيني أتذوقها ! "
" عدت ِ أخيرا ! لا يا عزيزتي ! هذه لنوّار و نوّار فقط ! "
" و هل سيأكل الكعكة كاملة ! مسكين ! كيف سيلعب إذا انفجرت معدته ؟ "
نظرت إلي ّ بانزعاج و صرخت :
" رغد ... انصرفي فورا ! "
ضحكت و خرجت ، متوجهة إلى غرفتي حيث وضعت حقيبتي و عباءتي ، و وقفت أمام المرآة أتأمل وجهي ...
لم يكن الإفلات من محاصرة نهلة سهلا ... أي حكاية لي مع وليد ؟؟؟ ما أكثر الحكايات !
أريد أن أنضم إليهم !
على الأقل ... سأراقبهم من النافذة !
و بسرعة خرجت من غرفتي قاصدة الذهاب إلى النافذة المشرفة على الفناء الأمامي ... حيث هم يجلسون ...
من تتوقعون صادفت في طريقي ؟؟
نعم وليد !
دخل للتو ... و حينما رآني توقف برهة ... ثم سار مغيرا طريقه ...
ربما كان يود القدوم من ناحيتي إلا أنه غير مساره و انعطف ناحية المطبخ ...
أ لهذا الحد لا يريد أن يراني أو حتى يمر من ممر أقف أنا فيه ؟؟
" وليد "
ناديته بألم ... إذ أن تصرفه هذا جرحني ...
لم يلتف إلي ، و رد ببرود :
" نعم ؟ "
تحشرج صوتي في حنجرتي ... و بصعوبة نطقت ، فجاء صوتي خفيفا ضعيفا لم أتوقع أنه سمعه ... لكنه سمعه !
" أريد أن أتحدث إليك "
" خيرا ؟ "
كل هذا و هو مدير ظهره إلي ... أمر ضايقني كثيرا ...
" وليد ... أنا أحدثك ! أنظر نحوي ! "
استدار وليد بتردد ، و نظر إلى عيني نظرة سريعة ثم طارت أنظاره بعيدا عني ...
كم آلمني ذلك ...
قلت :
" لماذا لا تود التحدث معي ؟؟ "
بدا مضطربا ثم قال :
" تفضلي ... قولي ما عندك "
و تنهد بضيق ...
قلت بمرارة :
" إذا كنت لا تود الاستماع إلي ... و لم يعد يهمك أمري ... فلا داعي لقول شيء "
وليد التزم الصمت ...
ثم و بعد أن طال الصمت بنا ، استدار راغبا في الانصراف ...
أنا جن جنوني من إهماله لي بهذا الشكل ... و أسرعت نحوه و قبضت على يده و قلت بحدة و مرارة :
" انتظر ... "
وليد سحب يده و استدار نحوي بغضب ... و رأيت النار تشتعل في عينيه ... كان مرعبا جدا ...
الدموع تغلبت علي الجفون ... و تحررت من قيودها و شقت طريقها بإصرار و شموخ على الخدين ...
وليد توتّر ... و تلفت يمنة و يسرة ... ثم قال :
" لماذا تبكين الآن ؟؟ "
قلت بعدما أغمضت عيني أعصر دموعها ... ثم فتحتهما :
" لماذا لم تعد تهتم بي ؟ لماذا تتحاشاني ؟ لماذا تعاملني بهذه الطريقة القاسية و كأنني لا أعني لك شيئا ؟؟ "
الرعب ... و الذعر و الهلع ... أمور أثارتها نظراته الحادة المخيفة التي رماني بها بقسوة ... قبل أن يضربني بكلماته التالية :
" يا ابنة عمي ... لقد كبرت ِ و لم تعودي الطفلة المدللة التي كنتُ أرعاها ... أنت ِ الآن امرأة بالغة ... و على وشك الزواج ... لدي حدود معك ِ لا يجوز تخطيها ... و لديك سامر ... ليهتم بأمرك من الآن فصاعدا "
و تركني ... و سار مبتعدا إلى الناحية التي كان يريد سلكها قبل ظهوري أمامه ...
اختفى وليد ... و اختفت معه آمال واهية كانت تراودني ... وليد الذي تركني قبل تسع سنين ، لم يعد حتى الآن ..
مسحت بقايا دموعي و آثارها ... و خرجت إلى حيث كان والدي ّ و سامر يجلسون حول الطاولة ...
أقبلت نحوهم فوقف سامر مبتسما يزيح الكرسي المجاور له إلى الوراء ليفسح المجال لي للجلوس ...
سامر ... كان دائما يعاملني بلطف و اهتمام بالغ ، و يسعى لإرضائي و إسعادي بشتى الوسائل ...
اقتربت من سامر و نقلت بصري منه ، و إلى والديّ ، ثم إلى أكواب الشاي و الدخان الصاعد من بعضها ... ثم إلى الخاتم المطوق لإصبعي منذ سنين ... ثم إلى عيني سامر اللتين تراقباني بمحبة و اهتمام ... ثم قلت :
" سامر ... لقد اقتنعت ... سنحتفل مع دانه "





 

 

 

 


 لا الله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين

فرحان الزعيلي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-11-2009, 08:34 PM   #66
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية فرحان الزعيلي
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
فرحان الزعيلي is on a distinguished road

افتراضي رد: قصة اليتيمةالتي أثارت الجدل في( الحلقتين السادسة عشر والسابعة عشر)


الحلقة التاسعة عشر
********
~ نهاية المطاف ~
كنت قد دخلت إلى داخل المنزل لإحضار سيجارة ...
فكلما شعرت بالضيق ، عكفت على التدخين بشراهة ...
و رؤية رغد و سامر يقبلان نحونا ... و أصابعهما متشابكة جعلت شعبي الهوائية تنقبض و تنسد ...
سامر جلس معنا ، و ذهبت رغد إلى الداخل ...
بعد قليل دخلت ُ قاصدا الذهاب إلى غرفة سامر و إحضار السجائر ، فرأيتها أمامي ...
الغضب الذي كان يسد شعبي مع ذلك الهواء خرج فجأة باندفاع مصبوبا عليها ... فتحدثت معها بقسوة رافضا الإصغاء إلى ما كانت تود إخباري به ...
الآن أنا في الغرفة أشعر بالندم ...
لماذا أصبحت أعاملها بهذه الطريقة ؟؟
أليست هذه هي رغد ... طفلتي الحبيبة المدللة ؟؟
رغد ...
أتسمعون ؟؟
أتدركون ؟؟
إنها رغد ! رغد !
حملت سجائري و ذهبت في طريقي إلى الخارج ...
عند عبوري الممر قرب المطبخ لمحت أختي دانه ، و كانت ترتدي مريلة خاصة بالمطبخ و توشك على المسير نحو الباب ...
" وليد ! ... أوه سجائر ! "
ثم مسكت أنفها بإصبعيها كمن يمنع رائحة كريهة من اقتحام أنفه !
" لن أدخن هنا ! "
قالت :
" أنا أيضا ذاهبة لوداع سامر ! رغد الكسولة تركتني أعمل وحدي ! "
و خرجنا سوية ...
رغد كانت تجلس قرب سامر ... الذي يبدو على وجهه الانفعال و السرور !
قالت دانة :
" آسفة سامر سأودعك الآن و أعود للمطبخ ! "
و وجهت كلامها إلى رغد :
" فالكسالى يجلسون هنا ! و لكن بعد أن أتزوج ستقع على رؤوسهم أعمال المنزل رغما عنهم ! "
سامر ضحك ، و كذلك والدي ... أما رغد فألقت نظرة لا مبالية على دانة ثم أخذت تشرب الشاي ...
والدتي قالت :
" بل على رأسي أنا ! فأنتما ستخرجان من هنا في ليلة واحدة ! "
أنا صعقت ... و اكفهر وجهي ... و حملقت في رغد ... أما دانة فقالت :
" ماذا ... أمي ؟؟ هل ...؟؟ "
سامر قال :
" قررنا أخيرا !! "
دانة سارت نحو رغد ببهجة فوقفت الأخرى و تعانقتا ...
" أيتها الخبيثة ! هل تريدين سرقة الأضواء مني ؟؟ "
و ضحكتا بمرح ...
ثم عانقت دانة سامر و تمتمت ببعض الكلمات ، ثم ودعته و عادت إلى الداخل ...
" يجب أن أغادر الآن ! "
قال ذلك سامر ... فوقف والداي ، فاحتضنهما و قبل رأسيهما ...
ثم أمسك بيدي رغد ، و ضمها إليه في عناق طويل ...
كل هذا و أنا واقف كالشجرة التي إلى جانبي ... أشعر بالصواعق تضربني من كل جانب ، و أعجز عن فعل شيء ...
و الآن ... يقبل الخائن نحوي أنا ... يريد توديعي ...
ابتعد يا سامر فأنا أشعر برغبة جنونية في ضربك ! و لا أعرف أي قوية امتلكت لحظها و منعت يدي من أن تحطم وجهه ...
صافحته و عانقته عناقا باردا خال من أية مشاعر ... و تركته يذهب ...
بعدما خرج ، تجاوزت الطاولة و من يجلس حولها ، و وقفت بعيدا لئلا أزعج أحدا بدخان سجائري ...
كنت أسمع أصوات الثلاثة ، أبي و أمي و الخائنة يتحدثون عن أمور الحفلة و الإعداد لها ...
و كنت أشعر بأن طبقة سميكة من الإسمنت قد صبت على صدري و يبست و كتمت أنفاسه ...
أمي ذهبت بعد ذلك للمطبخ لتساعد دانة ، و بقي والدي مع رغد ...
كنت أختلس نظرة ناحيتهما من حين لآخر ... والدي كان يجلس موليا ظهره إلي أما الخائنة فكانت تواجهني
و لم يحدث أن التفت ُّ إلا و اصطدمت نظراتنا ، فزادت الإسمنت على صدري طبقة بعد طبقة ...
والدي تلقى مكالمة عبر هاتفة المحمول ، ثم انصرف إلى الداخل ...
و بقيت صغيرتي وحدها تشرب الشاي ... توقفت عن الالتفات إلى الوراء ... و شردت في اللاشيء الذي لا أراه أمامي ...
و الآن شعرت بحركة خلفي ... و بقيت كما أنا أرتقب ... و ظهر ظل أمامي يكبر و يكبر ... و الفتاة الواقفة خلفي تقترب و تقترب ... و الآن توقفت ...
لثوان معدودة ... ظلت رغد واقفة خلفي و أنا لا أملك من الشجاعة و القوة ما يمكنني من الاستدارة إليها ... و لكني أرى ظلها أمامي ... و أرى يدها تتحرك نحوي ... ثم تتراجع ... ثم تستدير ... ثم تنسحب ...
عندما ابتعدت استدرت أنا للخلف و رأيتها و هي تسير مبتعدة و يدها تمسح ما قد يكون دموعا منسكبة على وجهها ...
مددت يدي ... أريد أن أمسك بها ... أمسك بظلها ... أمسك بطيفها ... أمسك بدمعها ... أمسك بذرات الهواء التي لامستها ... و اختفت رغد ... و عادت يدي فارغة لم تجني غير الحسرة و الألم ...
عندها ، تلوّت معدتي أيما تلوي ... و عصرت كما تعصر الملابس المبللة باليدين ...
في تلك الليلة ، حضر نوّار خطيب شقيقتي و قد جالسته لبعض الوقت ...
و رغم أنه دمث الخلق ، إلا أن نفسه لا تخلو من الغرور و التعالي ... و قد أحرجني لدى سؤاله لي عن دراستي المزعومة و أعمالي و خبراتي المعدومة !
و كنت أختصر الإجابات ببعض جمل غامضة ، و سرعان ما انسحبت تاركا الخطيبين يستمتعان بعشائهما ...
و لشدة الآلام ـ الجسدية منها و النفسية ـ فإنني اكتفيت بقدر يسير من الطعام ... و ذهبت إلى غرفة سامر متحججا بالنعاس ...
رغد لم تكن قد شاركتنا الوجبة ، فلا أظنها تفكر في فعل ذلك بعد الطريقة الفظة التي عاملتها بها ...
الندم يقرصني و يوخز جميع أعصابي الحسية ... إضافة إلى آلام المعدة الحادة ...
و مرة أخرى خرجت الدماء من جوفي و زادت قلقي ... لابد أنني مصاب بمرض ... و لابد لي من مراجعة الطبيب ...
على السرير تلويت كثيرا حتى قلبت المفارش و البطانيات و الوسائد رأسا على عقب ...
أفكاري كانت تدور حول رغد ... كيف لي أن أهدأ لحظة واحدة ... و موعد زفافها قد تحدد !
لو كان باستطاعتي تأجيله قرنا بعد ... فقط قرن واحد ... أضمن فيه أنها تبقى معزولة عن أي رجل ... و تموت دون أن يصل إليها أحد ...
أخرجت صورة رغد الممزقة و جعلت ألملم أجزاءها ، و أتاملها ، ثم أبعثرها من جديد
و أعود لتجميعها كالمجنون ...
نعم مجنون ... لأن تصرف كهذا لا يمكن أن يصدر من كائن عاقل ...
تركتها ملمومة على المنضدة التي بجواري ... و قمت أذرع الغرفة ذهابا و جيئة كبندول الساعة !
اقتربت الساعة من الواحدة ليلا ... و أنا ما بين آلم معدتي الحارق و ألم قلبي المحترق ... حتى رغبت في تناول أي شيء من شأنه أن يهدئ الحريق المشتعل بداخلي ...
و تنفُّس أي شيء يطرد الضيق من صدري ...
أخذت علبة سجائري ... و خرجت من الغرفة ... تاركا الباب مفتوحا ...
ذهبت أولا إلى المطبخ و حملت علبة حليب بارد معي فقد لاحظت تأثيره المهدئ على معدتي ، و خرجت إلى الفناء ... و بدأت بشربه و التدخين معا ...
لا أستطيع أن أنام و أنا أفكر ... و أفكر و أفكر ... فيما قاله وليد لي ... و الصداع يشتد لحظة بعد أخرى ...

كم آلمني ... أن أكتشف أنه لم يعد يهتم بي أو يرغب في رعايتي كالسابق ...

لقد تغير وليد ..وأصبح
قاسيا ومخيفا ...وغريبا ...

كنت أبكي حسرة و مرارة ... فأنا فقدت شيئا كان يشغل حيزا كبيرا من حياتي ...
و منذ ظهوره ، و أنا في صراع داخلي ...

بقيت فترة طويلة أتأمل صورته التي رسمتها قبل شهور ... و لم أتمها ...

و إذا بي أرى نفسي ألّون بياض عينيه باللون الأحمر الدموي ... ! غضبا و حسرة ...

صار مخيفا ... مرعبا ...
دانه كانت تمضي وقتا غاية في السعادة و المتعة مع خطيبها الذي تحبه ... و هذا يجعلني أتألم أكثر ... لأنني لا أحظى بالسعادة التي تحظى بها ... و لا أشعر بالمشاعر التي تشعر هي بها تجاه خطيبها ...
غدا هو يوم دراسة ، و يجب أن أنام الآن و إلا فإنني سأنام في القاعة وسط الزميلات !

خرجت من غرفتي و في نيتي ابتلاع قرص مسكن من الأقراص الموجودة في الثلاجة ، و فيما أنا أعبر الردهة لاحظتُ باب غرفة سامر مفتوحا ...

تملكني الفضول !
سرت بحذر و هدوء نحو الغرفة !
وقفت على مقربة و أصغيت جيدا ... لم أسمع شيئا ...
اقتربت أكثر خطوة بعد خطوة ، حتى صرت عند فتحة الباب ، و أطللت برأسي إلى الداخل بتهور ... لكني لم أجد أحدا !

عندها فتحت الباب على مصراعيه بسرعة ... و بذعر و هلع صحت : " وليد ! "

قفزت و أنا أركض كالمجنونة ... أجول في أنحاء المنزل و في رأسي الاعتقاد الصاعق بأن وليد قد فعلها و رحل خلسة ...

الدموع تسللت من عيني من شدة ما أنا فيه ، و شعرت برجلي ّ تعجزان عن حملي فصرت أترنح في مشيتي مخطوفة الفؤاد ... منزوعة الروح ...

و انتهى بي الأمر إلى باب المدخل ...

وقفت عنده و مسكت قبضته و ركّزت كل ثقلي عليها لتدعمني لئلا أقع ... فإن انفتح الباب ... فلا شك أن وليد قد غادر و تركه مفتوحا ...

و انفتح الباب و انهرت أنا مع انفتاحه ...

لقد فعلها و فر خلسة دون وداعي ... خارت قواي و أخذت أبكي و أنحب بصوت عال ...

" لماذا ؟ لماذا يا وليد لماذا ؟؟ "

فجأة ... ظهر شيء أمامي !

كنت أجلس عند الباب بلا حول و لا قوة ... و شعرت بشيء يتحرك فأصابني الذعر الشديد ... فإذا به وليد يظهر في المرأى ... " رغد !!؟ "

لم أصدّق عيني ... هل هذا شبح ؟؟ أم حقيقة ؟؟

جسم كبير ... طويل عريض ... متخف في الظلام ... يتقدم نحوي ... لا يُرى شيءٌ منه بوضوح غير لهيب السيجارة التي بين إصبعيه ...

" رغد ... ما ... ماذا تفعلين هنا ...؟؟ "

و كدمية كهربائية قد فُصِل سلكها عن المكبس ، شللت ُ عن الحركة ...

حتى رأسي الذي كان ينظر إلى الأعلى ... الأعلى .. حيث موضع عيني وليد ، هوى إلى الأسفل ... متدليا على صدري سامحا للدموع بأن تبلل الأرض ...

لم أجد في بدني أي مقدار من القوة لتحريك حتى جفوني ...
وليد وقف مندهشا متوجسا برهة ... ثم جلس القرفصاء أمامي ... و قال بصوت حنون جدا ...

" صغيرتي ... ؟؟"

الآن ... كسبت من الطاقة ما مكنني من رفع رأسي للأعلى و النظر إليه ...

و بقيت أنظر إلى عينيه و تحجبني الدموع عن قراءة ما فيهما ...

" ما الذي تفعلينه هنا ؟؟ "

" هل تريد الرحيل دون وداعي ؟؟ "

لم تخرج الكلمات كالكلمات ... بل خرجت كالبكاء الأجش ...

" الرحيل ؟؟ من قال ذلك ؟؟ "

" ألست ... ألست تريد الرحيل ؟؟ "

" لا ... خرجتُ أدخّن ! ... لكن ... ما الذي تفعلينه أنت هنا في هذا الوقت ؟؟ "

أخذت نفسا عميقا و أطلقت الكلمات التالية باندفاع و بكاء :
" ظننت أنك رحلت ... دون علمي و وداعي ... كما فعلت قبل سنين ...
تركتني وحيدة ... في أبشع أيام حياتي ... "

مد وليد يده فجأة و بانفعال نحوي ، ثم أوقفها في منتصف الطريق ، و سحبها ثانية ... قلت :

" حتى لو لم أعد أعني لك شيئا ... لا ترحل دون علمي يا وليد ... أرجوك لا تفعل ... عدني بذلك ...
وليد ظل صامتا لا يجرؤ على شيء سوى الإصغاء إلي ...

قلت :

" عدني بذلك وليد أرجوك ... "

هز رأسه إيجابا و قال :

" أعدك .. "


نظرت إليه بتشكك ... كيف لي أن أثق بوعوده ... ؟؟ ...

قلت :

" اقسم "

وليد تردد قليلا ثم قال :

" أُقسِم ... لن أرحل دون علمك ... صغيرتي ... "


شعرت بالراحة لقسمه ... و سحبت نفسا عميقا ليهدئ من روعي ...

وليد حملق بي قليلا ثم وقف ... و رفع سيجارته إلى فمه و سحب بدوره نفسا عميقا ...

وقفت أنا ، و سمحت للباب الذي كنت أستند عليه و أحول دون انغلاقه أن ينغلق

نفث هو الدخان للأعلى ، ثم قال و هو لا يزال ينظر عاليا :


" لم استيقظت الآن ؟؟ "

قلت ، و أنا أراقب الدخان يعلو و ينتشر ...

" لم أنم بعد "

قال :

" لم ؟ ألن تذهبي غدا إلى الكلية ؟ "
قلت :

" بلى ... لكن ... لدي أرق
و صمت ...

ثم سألته :

" و أنت ؟ "

قال :

" كذلك ، لذا خرجتُ أدخن ... في ساعة كهذه "

قلت :

" هل ... يريحك التدخين ؟؟ "

وليد لم يجب مباشرة ، ثم قال :

" نعم ... إلى حد ما ... يرخي الأعصاب ... "

قلت :

" دعني أجرب ! "

وليد التفت إلي بدهشة و نظر باستغراب !

" ماذا ؟؟ "

" أريد أن أجرب ! "

اعتقد أنها ابتسامة تلك التي ظهرت على إحدى زاويتي فمه !


قال :

" هل تعنين ما تقولين ؟؟ "

" نعم ... أتسمح ؟؟ "

وليد هز رأسه اعتراضا و قال :

" لا ... لا أسمح "

" لم ؟ "

" لا أسمح لشيء كهذا بدخول صدرك ... "

" لكنه يدخل صدرك ! "

قال :

" أنا صدري اعتاد على حمل السموم و الهموم ... "

ثم رمى بالسيجارة أرضا و سحقها تحت حذائه ...

و علت وجهه علامات التألم ، و ضغط بيده على بطنه و قال :

" لندخل "


و حينما دخلنا ، قال :

" تصبحين على خير "

و اتجه نحو المطبخ ...

أنا تبعته إلى هناك فرأيته يخرج علبة حليب بارد و يجلس عند الطاولة و يرشف منها ...
و بعد رشفة أو رشفتين سمعته يتأوه ... و يسند رأسه إلى الطاولة في وضع يوحي للناظر إليه بأنه يتألم ...

دخلت المطبخ ... فأحس بوجودي ... فرفع رأسه و نظر إلي ...

" ألن تخلدي للنوم ؟ الوقت متأخر "

شعرت بقلق شديد عليه ... قلت :

" ما بك ؟؟ "

أبعد نظره عني و قال :

" لا شيء "

لكني كنت أرى الألم باد على وجهه ... و عاد يشرب الحليب جرعة بعد جرعة ...

" وليد ... هل أنت مريض ؟؟ "

تنهد بنفاذ صبر و شرب بقية الحليب دفعة واحدة ، ثم نهض ... و خطا نحوي ...

" تصبحين على خير "

و تجاوزني ، و ذهب إلى غرفة سامر ... و أغلق الباب ...

صحوت من النوم على صوت والدتي توقظني من أجل تأدية صلاة الفجر ...

كنت قد نمت قبل ساعة و نصف ، و أشعر بإعياء شديد ...

أفقت من النوم فوجدتها واقفة قربي ... نهضت و ذهبت للتوضؤ ، و عندما عدت وجدتها لا تزال واقفة عند نفس المكان تنظر إلى المنضدة ...

ما إن أحست بوجودي حتى استدارت نحوي بسرعة ، و قالت :

" والدك ينتظرك ... "

ثم خرجت من الغرفة ....

ألقيت نظرة على المنضدة التي كانت أمي تراقبها قبل مجيئي ... فإذا بي أرى صورة رغد الممزقة ... التي نسيتُ إعادتها إلى محفظتي ليلا ...

شعرت بالقلق ... لابد أن أمي رأت الصورة واضحة ... و لابد أن شكوكا قد راودتها
إلا إذا كان احتفاظ رجل بصورة ممزقة لطفلة كان متعلقا بها بجنون ... هو أمر مألوف و مشهد تراه كل يوم ... !

أدينا الصلاة في مسجد قريب و عدت إلى السرير و نمت بسرعة قياسية ...

عندما نهضت ، كان ذلك قبيل الظهر و لم يكن في البيت غير والدتي ، فوالدي في مكتبه ، و رغد في الكلية ، و دانه مدعوة للغداء في مطعم ، مع خطيبها ...

أمي لم تشر إلى أي شيء بحيال تلك الصورة ... لذا ، تجاهلت الأمر ... و أقنعت نفسي بأنها نسيت أمرها ...

لم أرَ صغيرتي ذلك النهار ، إذ يبدو أنها عادت من الكلية عصرا و ذهبت للنوم مباشرة في وقت كنت أنا فيها مشغول بشيء أو بآخر ....

و في الليل ... و قبل ذهابي إلى غرفة المائدة لتناول العشاء ، مررت بالمطبخ فرأيت صغيرتي تأكل وجبتها منفردة هناك ...

عندما رأتني توقفت عن الأكل و انخفضت بعينيها إلى مستوى الأطباق ... في انتظار مغادرتي ...

آلمني أن أراها وحيدة هكذا فيما نحن مجتمعون معا ... قلت :

" تعالي و انضمي إلينا "

رغد حملقت بي قليلا متشككة ثم سألت :

" ألا يزعجك ذلك ؟؟

قلت :

" لا ... صغيرتي "

و سرعان ما حملت أطباقها و طارت إلى غرفة المائدة ... بمنتهى البساطة !

فيما نحن نتحدث عن أمور شتى ، قال والدي :

" أيمكنك يا وليد اصطحاب رغد من و إلى الجامعة يوميا ؟؟ إن تفعل تزيح عن عاتقي مشوارا مربكا "

و لأنه لم يكن لدي ما أقوم به ، لم أجد حجة تمنعني من الموافقة ... لكن بعض الاستياء ظهر على وجه والدتي ... أنساني إياه البهجة التي ظهرت على وجه رغد ... أو ربما توهمت أنها ظهرت على وجه رغد !

في اليوم التالي كان علي أن أنهض باكرا من أجل هذه المهمة ، و رافقتنا والدتي هذه المرة ....

المشوار كان يستغرق قرابة العشرين دقيقة .

رغد كانت تركب المعقد الخلفي لي ، ذهابا و إيابا ... و كانت تلتزم الصمت معظم المشوار إلا عن تعليقات بسيطة عابرة ...

في المساء ، كنا نقضي أوقاتا ممتعة في مشاهدة أحد الأفلام ، أو مزعجة في متابعة الأخبار و ما آلت إليه الأوضاع الأخيرة ، أو محرقة في الحديث عن الزفاف المرتقب ...

أتناول وجباتي معها ... آخذها إلى الجامعة أو أي مكان تود ... أتبادل بعض الأحاديث معها بشأن دراستها و ما إلى ذلك ... أتفرج على لوحاتها الجديدة ...
أرافقها هي و دانة و أمي إلى الأسواق ... أنصت باهتمام كلما تحدثت و أراقبها دون أن أشعر كلما تحركت ...

كل هذا ... قد أثار جنوني ... و ذكريات الماضي ... فصرت أشعر بأنها عادت لي ... طفلتي الحبيبة التي أعشقها و أعشق رعايتها ...

أخذني جنوني إلى التفكير بعدم الرحيل ...

كيف لي أن أبتعد عنها و أنا متعلق بها بجنون ...

كيف لي أن أسمح للمسافات و الزمن بتفريقنا ؟؟؟
إنني سأبقى حيث تكون رغد ... لأنه لا شيء في هذه الدنيا يهمني أكثر منها هي ...
سأبحث عن عمل ، و استقر هنا إلى جانبك ...

سأبقى قربك يا رغد ... نعم قربك يا صغيرتي الحبيبة ...

ثم ... و باتصال هاتفي واحد من سامر ... يتحطم كل شيء ، و أسقط من برج الأوهام الطرية ، إلى أرض الواقع القاسية الصلبة ... و يتدمر كل شيء ...

لم تكن صغيرتي تملك هاتفا في غرفتها ، لذلك فإن مكالماتها تكون على مرأى و مسمع من الجميع ... و كلما تحدثت إلى سامر غمرتني رغبة في تقطيع أسلاك الهاتف و الكهرباء ... في المنزل برمته !

في أحد الأيام ، كنت ذاهبا لإحضارها من الجامعة ، و صادف أن الشارع كان مزحوما و شبه مسدود بسبب حادث مروري ...

طال بي المشوار و أنا أسير ببطء شديد بسبب الحادث ... و عوضا عن الوصول خلال 20 دقيقة وصلت بعد 40 دقيقة على الأقل ...

عادة ما تكون صغيرتي تنتظرني عند الموقف حيث تقف الطالبات ، إلا أنني الآن لم أجدها ...

انتظرت بضع دقائق ، لكنها لم تخرج ... وقفت في مكاني حائرا

ثم اتجهت إلى الحارس و أخبرته بأنني أنتظر قريبتي و لم أرها ، فطلب اسمها ثم اتصل برقم ما ، و بعدها بدقيقتين رأيت رغد تخرج من البوابة ... مع بعض الفتيات ...

كنت لا أزال واقفا قرب الحارس ، نظرت هي باتجاهي و ظلت واقفة حيث هي ... و تتحدث إلى زميلاتها ...

شكرت الحارس ثم تقدمت ُ إليها فودعتهن و أتت نحوي ...

" أنا آسف ... تأخرت ُ بعض الشيء "

" بل كثيرا "

قالت بغضب ... ثم سارت نحو السيارة ...

بعدما اتخذنا مقعدينا ، و قبل أن ننطلق عدت ُ أقول :

" آسف صغيرتي ... "

و لكنها لم تجب ، و فتحت نافذة السيارة لأقصى حد ... يبدو أنها مستاءة و غاضبة !

و نحن نسير بالسيارة مررت من حارس الأمن ذاته فألقيت التحية عبر النافذة و انطلقت ...

" كيف تلقي تحية على شخص بغيض و غير مهذب كهذا ؟؟ "

تعجّبت من سؤالها ! قلت :

" لم تقولين عنه ذلك ؟؟ "

" كلما خرجت ُ لأرى ما إذا كنت َ قد وصلت َ أم لا ، وجدته ينظر باتجاه المدخل ... كان أجدر بك أن تصفعه ... لقد كنت أخرج فأجد والدي في انتظاري هنا كل يوم ... إياك و أن تتأخر ثانية "


يا له من أسلوب !

قلت :

" حاضر ... أنا آسف "


صمتت برهة ثم قالت :

" و كذلك ابق هاتفك المحمول مشغلا ، كلما اتصلت وجدته مغلقا "

و أخرجت هاتفي من جيبي فاكتشفت أنه كان مغلقا سهوا ...

" حسنا ... لم انتبه له "

و أيضا صمتت برهة ثم عادت تقول :

" و لا تخرج من السيارة ... ابق حيث أنت و أنا سآتي إليك "

عجبا لأمر هذه الفتاة ! قلت :

" و لم ؟؟ "

قالت بعصبية :

" افعل ذلك فقط ... مفهوم ؟؟ "


قلت باستسلام :

" مفهوم ... سيدتي !! "

لحظتها اجتاحتني رغبة بالضحك ، كتمتها عنوة !

و توقفت عن الكلام ...

و طوال الوقت ظلت صامتة بشكل لم يرحني ... لابد أنها لا تزال غاضبة لأنني تأخرت ...

حينما شارفنا على بلوغ المنزل ... راودتني فكرة استحسنها قلبي و استسخفها عقلي ... لكنني قبل أن أقع في دوامة التردد طرحت السؤال التالي :


" هل ... هل ترغبين ببعض البوضا ؟؟ "

طبعا السؤال كان غاية في السخف و الحماقة ... لكنني كنت أسيرا للذكريات ... ففي تلك الأيام ... كنت أغدق العطاء بالبوضا و غيرها على صغيرتي كلما غضبت لإرضائها !

شعرت بالندم لأنني تفوهت بهذه الجملة الغبية ... و كنت على وشك الاعتذار إلا أن رغد قالت بمرح و على غير ما توقعت :

" نعم ... بالتأكيد ! "

أوقفت السيارة عند محل لبيع البوضا ، قريب من المنزل ... و سألتها :

" أي نوع تفضلين ؟؟ "

قالت :

" هل ستتركني وحدي ؟؟ سآتي معك "


و فتحت الباب هامة بالنزول

دخلنا المحل ، و كان يحوي عددا من الناس ، ما جعل رغد تسير شبه ملتصقة بي ...

بعد ذلك ... انتهى بنا المطاف إلى المنزل ، و لو تركت الساحة لأحلامي لأخذتني مع صغيرتي في نزهة ... كما في السابق ...

إلا أنني طردتها بعيدا و عدت بالصغيرة إلى المنزل ... و أنا مسرور و مرتاح ... فرائحة الماضي أنعشت رئتي ...

ليت الأقدار لم تفرقني عنك يا رغد ...

ليتك تعودين إلي !

ليتنا نتناول البوضا أو البطاطا المقلية سوية ... كل يوم ...

ما أجملها من لحظات ...

و نحن نحمل البوضا اللذيذة برضا و سرور دخلنا إلى داخل المنزل ، ثم إلى غرفة المعيشة ... حيث فوجئت بالنار تصهر ما بيدي ... و ما بصدري ... و ما بجوفي و داخلي ...

هناك كان سامر يجلس مع والدي ّ و دانة ...

حضر على غير توقع و دون سابق إبلاغ ...

حينما رآنا نهض بسرور و جاء يرحب بنا ...

نصيبي من الترحيب كان محدودا ... مقابل نصيب الفتاة التي تقف إلى جواري ... تحمل البوضا في يد ، و الحقيبة في اليد الأخرى ...

السعادة المؤقتة التي أوهمت نفسي بها تلاشت نهائيا ... و أنا أرى سامر يطوقها بذراعيه ...

" اشتقت إليك عروسي ! "

البوضا وقعت و لوثت الأرض ...

بل قلبي هو من وقع أرضا و لوثت دماؤه الكرة الأرضية بأكملها ...

انثنيت نحو البوضا المنصهرة أود التقاطها ...

" دعها بني ، أنا سأرفعها "

و أقبلت أمي لتنظف ما تلوث ...


" ملابسك تلوثت وليد "

" حقا ؟ سأذهب لتغييرها "


أهي ملابسي من تأذت ؟؟

و انصرفت مسرعا ... لا يحركني شيء غير الغضب و الغيرة المشتعلة في صدري ... و رغبة مجنونة في أن أوسع سامر ضربا ... إن بقيت انظر إليه دقيقة أخرى بعد ...

محال أن أبقى في هذا المنزل ليلة أخرى ... و الليلة بالذات ... سأرحل و بلا عودة .

بدأت أشعر بأن وليد يهتم بي ... إلى حد ما ... و هو شعور جعلني أحلق في السماء ...

و اليوم ، تأخر عن موعد حضوره للجامعة عصرا ، و بعدما وصل خرجت أنا و بعض زميلاتي كل واحدة في طريقها لسيارتها ...

وليد كان يقف قرب حارس البوابة ... و هو شخص غير محترم ... نبغضه جميعنا..

رأتني إحدى زميلاتي أنظر ناحية وليد فسألتني :


" إلى من تنظرين !؟ "

قلت باستياء :

" من تظنين ؟ الحارس ؟ طبعا إلى ابن عمّي "

قالت و هي تنظر إليه :

" تعنين هذا الرجل ؟؟ "

" نعم "

قالت :

" واو ! كل هذا ابن عمك !؟ حجم عائلي ! "

و ضحكت هي و فتيات أخريات ضحكات خفيفة !

و قالت أخرى :

" ما شاء الله ! مع أنك صغيرة الحجم ! أنت و ثلاث أخريات معك مطلوبات من أجل التوازن ! "

و ضحكن كلهن !

قلت بغضب :

" مهلا فليس هذا هو خطيبي "

ثم ودعتهن على عجل و سرت نحوه ...

عندما عدنا إلى البيت و نحن نأكل البوضا باستمتاع ، وجدت سامر هناك فدهشت ...

لم يكن قد أبلغنا بأنه قادم ، كما و أنه غير معتاد على الحضور نهاية أسبوعين متتاليين !

أخبرني في وقت لاحق بأنه اشتاق إلي .. و يريد أن نتحدث عن الزفاف المرتقب ، و الذي لم يسعه الوقت للحديث حوله في المرة الماضية ...

قضينا أمسية عائلية هادئة لم يشاركنا فيها وليد معللا بآلام معدته المزعجة ...

أظن أن السبب هو التدخين !

في اليوم التالي ، أيقظتني أمي لتأدية صلاة الفجر ...

عندما رأيتُ عينيها حمراوين متورمتي الجفون ، سألت بقلق :

" أمي .. ماذا هناك ؟؟ "


أمي مسحت براحتها على رأسي و قالت بحزن :

" رحل وليد "

جن جنوني ...

و قفزت ... و ركضت خارجة من غرفتي ... إلى غرفة سامر ... فوجدتها خالية ... و جلت بأنحاء المنزل غير مصدقة و غير مقتنعة ... لا يمكن أن يكون قد رحل !

لقد وعد بألاّ يرحل دون وداعي ...

أقسم على ذلك ...

تدفقت دموعي كمياه السد المتهدم ... تجري بعنف و تدمر كل أمل تصادفه في طريقها ... باب المنزل كان موصدا... والدي و سامر قد ذهبا للمسجد ... فتحت الباب ... و خرجت للفناء مندفعة ... ثم إلى البوابة الخارجية ... فتحت منها القدر الذي يكفي لأن أرى الموقف خال ٍ من أي سيارات ... استدرت ... و هرولت أقصد المرآب ... والدتي أوقفتني ... و أمسكت بكتفي ...


" لا داعي يا رغد ... لقد ودعنا قبل قليل
لا !

لا يمكن أن يفعل ذلك !

لا يمكن أن يختفي من جديد ...


صعقت ... و انفضت أطرافي ... و صحت :


" لماذا لم يودعني ؟؟ "


أمي هزت رأسها بأسى ...

صرخت :


" لماذا يفعل بي هذا ؟؟ لماذا ؟؟ لماذا ؟؟ "


و مسكت بعضدي أمي بقوة و انفعال ... و زمجرت بقوة و عصبية و بكاء أجش :

" لماذا يعاملني بهذا الشكل ؟؟؟ لقد وعد بألا يرحل دون وداعي ... إنه كاذب ... كاذب ... كان يسخر مني ... كان يستغفنلي و يهديني البوضا ! ... كما فعل سابقا
أنا أكرهه يا أمي ... أكرهه ... أكرهه ... أكرهه ... "

انتظرونا في الحلقه القادمه (20)

 

 

 

 


 لا الله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين

فرحان الزعيلي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-11-2009, 08:53 PM   #67
معلومات العضو
alshemailat
 
الصورة الرمزية محمدعبدرمثان
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
محمدعبدرمثان is on a distinguished road

افتراضي رد: قصة اليتيمةالتي أثارت الجدل في( الحلقتين الثامنه عشر والتاسعه عشر)

فرحان الزعيلي
قصه رائعه من شخص رائع
الله يعطيك العافيه تقبل مروري
ولك التحيه

 

 

 

 


محمدعبدرمثان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-11-2009, 12:47 AM   #68
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية بدر الشمال
 
إحصائية العضو









:

بدر الشمال غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي

معلومات العضو


دولتي
الجنس
هوايتي
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 14
بدر الشمال is on a distinguished road

افتراضي رد: قصة اليتيمةالتي أثارت الجدل في( الحلقتين الثامنه عشر والتاسعه عشر)

فرحان الزعيلي
يومآ بعد يزداد تعلقنا بحلقات هذه القصه
التي وجدت بها جميع المفردات الجميله

لك تحيتي وتقديري

 

 

 

 


 لا الله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين

اذا اعجبك تفكيري...وتخطيطي وتدبيري....
تمهل...فماشاهدته نسمات!!....ولم تشهد اعاصيري
دع عنك احباطي...وتحقيري!!....فانا معدني الماس!!
ولا تحلم بتكسيري!!.والى العشاق والاصحاب.اقدم كل تقديري..
واصنع من خدود الورد...كتاباتي وتعبيري....
واهديها لكم بوحا...يلخص كل تفكيري
لســت الأفــضل ولــكن لي أســـلوبي •• سأظل
دائما اتقبل رأي الناقد و الحاسد •
• فالأول يصحح مساري والثاني يزيد من اصراري .

بدر الشمال غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-11-2009, 07:01 PM   #69
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية فرحان الزعيلي
 
إحصائية العضو









:

فرحان الزعيلي غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
فرحان الزعيلي is on a distinguished road

افتراضي رد: قصة اليتيمةالتي أثارت الجدل في( الحلقتين الثامنه عشر والتاسعه عشر)

ابو عبيد
يسرني ويسعدني مرورك الراقي
لك تقديري واحترامي

 

 

 

 


 لا الله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين

فرحان الزعيلي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-11-2009, 07:17 PM   #70
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية فرحان الزعيلي
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
فرحان الزعيلي is on a distinguished road

افتراضي رد: قصة اليتيمةالتي أثارت الجدل في( الحلقتين الثامنه عشر والتاسعه عشر)



حلقة العشرون
*********

~ شمس ٌ جديدة ~

لم يكن العثور على مزرعة نديم بالأمر السهل ... قضيت وقتا لا بأس به في التفتيش ، خصوصا و أنا أقدم إلى هذه المدينة للمرة الأولى .
المدينة الشمالية هي مدينة زراعية تكثر فيها الحقول و المزارع ، و بها من المناظر الطبيعية الخلابة ما يبهج النفس المهمومة و يطرد عنها الحزن ...
كان الوقت ضحى عندما وصلت أخيرا إلى مزرعة نديم بعد مساعدة البعض .
كنت مرهقا جدا ، فأنا لم أنم لحظة واحدة منذ نهضت صباح الأمس ... و لم أهدأ دقيقة واحدة مذ رأيت الخائنين يتعانقان أمامي ...
عدا عن هذا ، فإن معدتي لم ترحم بحالي و عذبتني أشد العذاب طوال هذه الساعات
كانت مساحة المزرعة صغيرة ، محاطة بالسياج ، و بها الكثير من الأشجار المثمرة ...
ركنت سيارتي جانبا و دخلت عبر البوابة الكبيرة المفتوحة ...
كنت أسير ببطء و أراقب ما حولي ، و رأيت منزلا صغيرا في آخرها .
فيما أنا أسير نحو المنزل لمحت سيدة تقف عند الأشجار ، و إلى جانبها عدة صناديق خشبية مليئة بالثمار ..
كانت السيدة تقطف الثمار و تضعها في تلك الصناديق . و كانت ترتدي جلبابا واسعا و تلف رأسها بوشاح طويل ...
اقتربت ببطء من السيدة و أصدرت نحنحة قوية للفت انتباهها .
السيدة استدارت نحوي و نظرت إلي بتساؤل ، و من الوهلة الأولى توقعت أن تكون امرأة أجنبية ، في الأربعينات من العمر .قلت :
" معذرة سيدتي ، إنني أبحث عن مزرعة السيد نديم وجيه و عائلته قالت السيدة : " من أنت ؟؟ "أجبت :
" أنا صديق قديم له ، أدعى وليد شاكر "
تهلل وجه السيدة ، و قالت : " أنت صديق نديم ؟؟ "
قلت : " نعم ... في الواقع كنت زميلا له في ... "
و صمت ّ لحظة ، ثم تابعت : " في السجن ... "
علامات الاهتمام ظهرت جلية على وجه السيدة و أخذت تحدق بي ، فخجلت و غضضت بصري . قالت : " أنا زوجة نديم ... أحقا تعرفه ؟ "
" نعم ... سيدتي و هو من دلّني إليكم " قالت :
" و أين هو الآن ؟؟ ألا يزال في السجن ؟؟ "
صعقت لدى سماعي هذا السؤال و رفعت بصري إليها فوجدتها تكاد تخترقني بنظراتها القوية المهتمة جدا و القلقة ... عادت تكرر بخشية :
" أما زال في السجن ؟؟ "
رباه ! لقد قتِل نديم قبل سنين ! ألم يخبروا أهله بذلك ؟؟ بم أجيب هذه السيدة الآن ؟؟
السيدة رفعت يدها إلى صدرها كمن يتوقع خبرا سيئا ، قرأته في عيني ...
أنا هربت بعيني ... نحو أشياء عدة ... إلا أنني في النهاية عدت أواجه نظراتها الملهوفة ... و قلت بنبرة حزينة : " البقاء لله "
السيدة هلعت ... و انفتحت حدقتاها على مصراعيهما و انفغر فاها ...
ثم ضربت على صدرها ... و رأسها ... و صرخت : " يا ويلي "
أنا كنت أريد أن ... أعتذر عن نقل خبر مفجع كهذا ... و لكني لم أعثر على الكلمات الملائمة ... كما و أنني شغلت بحالة السيدة المفجوعة ...
فجأة ... ترنحت السيدة و هوت أرضا !
اقتربت منها و قلت بصوت خائف قوي : " سيدتي !"و ظهر لي أنها فقدت الوعي ...
عدت أنادي دون جدوى ... ارتبكت و لم أعرف ما أفعل ...

تلفت يمنة و يسرة و لم أجد أحدا ، و ناديت بأعلى صوتي :

" أيسمعني أحد ؟؟ ساعدوني ... "

و لم أسمع أو أرى أي تجاوب ... لم يكن في المزرعة على ما يبدو غير هذه السيدة ...

ركضت بسرعة نحو ذلك المنزل و أنا أنادي :

" أمن أحد هنا ؟ أرجوكم ساعدوني "

وقفت أمام المنزل ثانية ، ثم اقتحمته !

كنت أنادي و استنجد ... و كانت أبواب المنزل مفتوحة ...

فجأة وصلني صوت ٌ من خلف أحد الأبواب :

" من هناك ؟؟ "

قلت بسرعة و اضطراب :

" أسرعوا ... السيدة في الخارج فقدت وعيها "

اندفع الباب منفتحا فجأة و بقوة كادت تصدّع الجدار الذي اصطدم به ، و انطلق من الداخل شهاب ٌ ذهبي !

" أمي ! "

صرخت الفتاة الشقراء التي ظهرت مسرعة و ركضت مسرعة كالبرق نحو الخارج و أنا . أتبعها ...

وصلنا إلى حيث السيدة ، و بدأت الفتاة تصيح و تصرخ بذعر ... " أمي ... أمي ... ردي علي أرجوك ... " و هوت إلى جانبها تحاول إيقاظها

أنا وقفت ُ مذهولا مسلوب الإرادة و التفكير ...

الفتاة أخذت تنادي بصوت قوي :
" خالي ... تعال بسرعة "

تلفت أنا من حولي و لم أر أحدا ...

نهضت الفتاة الشقراء بسرعة و ركضت مبتعدة و هي تنادي
" خالي ... أسرع "
يا إلهي ... هل ماتت السيدة ؟؟
إنني من تسبب في موتها ... ماذا أفعل الآن ؟؟

لحظة شعرت ُ فيها برغبة قوية في الهروب ...

إلا أن رجليّ لم تسعفاني ...

ظهرت الآن الفتاة الشقراء ، تمسك بيد رجل عجوز أشقر ، تجبره على الركض ، و هو لا يقوى عليه ...

و أخيرا وصلا إلينا ... في نفس اللحظة التي بدأت فيها السيدة تفتح عينيها ...

أقبلت الفتاة بسرعة لمساعدة أمها في الجلوس و هي تقول بفزع : " أمي ... ماذا جرى لك ؟؟ "

السيدة بدت متعبة و منهارة ، وضعت رأسها على صدر ابنتها و أغمضت عينيها ...

الفتاة نظرت الآن و لأول مرة نحوي أنا !

" من أنت ؟؟ ماذا حدث ؟؟ "

أنا ارتبكت و بدأت أتأتئ....

الرجل العجوز اقترب من السيدة و قال :

" ليندا ! ماذا جرى لك ؟؟ " قالت الفتاة :

" يجب أن نأخذها إلى المستوصف يا خالي هيا بسرعة " و تعاونا الاثنان على إسنادها ...

قال العجوز : " السيارة في المؤخرة ! "

قالت الفتاة : " أوه كلا ! " حينها أنا تدخلت و قلت :

" أيمكنني المساعدة ؟؟ لدي سيارة تقف بالخارج ... على مقربة "


نظر العجوز إلى ، و كأنه ينتبه لوجودي الآن فقط ، و قال : " من أنت ؟؟ "

قلت : " أنا ... وليد شاكر ... صديق نديم "

الفتاة نظرت إلي باهتمام ، إلا أن والدتها تأوهت ، فأهملت الفتاة نظراتها إلي و نادت :

" أمي ... تماسكي أرجوك ... " قلت : " تعالوا معي ... " و لم يتردد الآخرون كثيرا ، بل ساروا خلفي مباشرة ...

وُضعت السيدة في السيارة ، و جلس الرجل العجوز إلى جانبي ، ثم ذهبت الفتاة مسرعة و عادت خلال ثواني ، و جلست إلى جانب أمها في على المقاعد الخلفية

تولّى العجوز إرشادي إلى أقرب مستوصف من المزرعة ، و هناك تم إسعاف السيدة و إجراء اللازم ...

الأحداث جرت بسرعة مدهشة ، حتى أنني لا أذكر بقية التفاصيل !

قال الطبيب :

" نوبة قلبية ... يجب أن تنقل للمستشفى من أجل الملاحظة و العلاج " رباه !
هل تسببت ُ دون قصد ٍ مني في نوبة قلبية لزوجة صديقي ؟؟
كم أنا نادم على الحضور ... بل نادم على تذكر وصيتك يا نديم ... فعوضا عن مساعدة عائلتك هاأنا أتسبب بمرض زوجتك !

الذي حدث هو أن صحة السيدة تحسنت شيئا فشيئا ، و رفضت هي الذهاب للمستشفى و أصرت على العودة إلى البيت ...

بصعوبة أقنعتها ابنتها بالبقاء بعض الوقت ، حتى تتحسن أكثر ...

تُركت السيدة في غرفة للملاحظة ، و بقينا أنا و العجوز في على مقربة ...

الآن تخرج الفتاة من الغرفة ، و تأتي نحونا

العجوز يبادر بالسؤال :

" كيف هي ؟؟ "

" نائمة ، لكنها أفضل "
و بعدها تنظر إلي أنا ...

غضضت أنا بصري ... فسألتني : " من أنت ؟؟ "

أجبت :

" وليد شاكر ... كنت أحد أصدقاء السيد نديم وجيه

قالت : " إنه والدي " قلت : " نعم ... عرفت "

قالت : " و لم جئت لمزرعتنا ؟ ألا تعرف أن أبي في السجن منذ زمن ؟؟ "

صمت ... ما ذا بإمكاني القول ؟؟ قالت :

" بم أخبرت أمي ؟؟ "

و أيضا بقيت صامتا ...

قالت :

" والدي قُتِل ... أليس كذلك ؟؟ "


رفعت نظري إليها مندهشا ... و متندما ... و أسِفا ... و كم كانت تعبيرات وجهها تنم عن القوة و الجرأة ...

ثم نظرت إلى الرجل العجوز ... فرأيته هو الآخر يحملق بي ...

قلت :

" أنا ... آسف ... "

خشيت أن تأتي ردة فعل الفتاة كأمها لكنني عجبت من هذه القوة و الصمود اللذين تملكاها ... قالت :

" كنت أتوقع ذلك ... "


ثم انصرفت عائدة نحو الغرفة ...

بعد ذلك بدأ العجوز يستجوبني ... و سردت عليه بعض أخبار نديم و أوضاعه في السجن قبل موته ... و علمت أنهم منعوا من زيارته و لم يبلغوا بوفاته ...

و كم أثار ذلك حزني و حنقي ...

أبعد العذاب الذي صبوه عليه كل تلك المدة ، يقتلونه و يدفنونه ثم لا يبلغون أهله حتى بأنه مات !؟

أ تركوا العائلة تعيش مرتقبة عودته فيما هو رميم تحت الأرض ..؟؟

طال الانتظار ، و لم أعرف ... أعلي الذهاب و تركهم ؟؟ أم علي البقاء و مساعدتهم ؟

و لكنني آثرت البقاء ... من باب الأدب و الوفاء لصديقي الراحل ...

بعد فترة ، اشتد علي الألم ، و التعب و بدأت أحس بالدوار ...

لم أكن قد تناولت شيئا بعد تلك البوضا الأخيرة ... لذلك أحس باضطراب ...
و قد لاحظ العجوز اضطرابي و وهني ، إذ كنت أسند رأسي إلى الحائط القائم خلف المقعد الذي أجلس عليه ..

" هل أنت على ما يرام ؟؟ "

سألني العجوز ... أجبت :

" أشعر بالإعياء ... "

قمت بصعوبة ، بالكاد أحمل نفسي و سرت خطى متعثرة حتى وصلت إلى عيادة الطبيب ...


انهرت على السرير هناك و قلت :

" أنا مرهق ... ساعدني ... "


اشتد بي الدوار و بدأت أتقيأ ... عصارة ممزوجة بالدم ...

بعد أربعين دقيقة من العلاج شعرت بتحسن كبير ... و شكرت الطبيب ...

الطبيب سألني عدة أسئلة عرف منها عن آلام معدتي المتكررة و الدماء التي تخرج من جوفي ،
فأجرى لي بعض الفحوص ثم رتب لإرسالي إلى قسم المناظير لإجراء منظرة لمعدتي ...

الرجل العجوز كان يأتي للاطمئنان علي بين الفينة و الأخرى ...

" أ أنت بخير يا هذا ؟ "

" أنا بحال أفضل الآن . شكرا لسؤالك أيها العم ، ماذا عن السيدة ؟ "

" لا تزال نائمة و يريد الطبيب نقلها إلى مستشفى أكبر ، لكن ظروفنا لا تسمح بذلك "


و الآن دخلت الممرضة في الغرفة التي كنت ُ أنا فيها و قالت :

" هيا يا سيد ، سنأخذك إلى قسم المناظير "

كنت أحمل الصندوق على ذراعي و أسير نحو السيارة الزرقاء ، و أفكر برغد !

ثم وجدت نفسي في موقف لا أحسد عليه ، أمام ابنة نديم ... تنظر نحوي بدهشة !

تتأتأتُ في الحديث ، قلت :

" أأأ ... فكرت في ... بما أنني لازلت هنا ... يمكنني المساعدة قبل ... معذرة فأنا لم أقصد سوءا ! "


و خفضت بصري نحو الأرض ...

شعرت بثقل الصندوق فوق يدي ، فرفعته أكثر ، ثم اعتذرت ، و ذهبت إلى السيارة لأضعه فيها ...

الفتاة تبعتني ، و أخذت تنظر إلى الصناديق الموضوعة في السيارة بتعجب ! قالت :


" لم كلّفت نفسك عناء كل هذا !؟ لم يكن واجبا عليك ذلك ! "

قلت :

" بلى ... من واجبي و من دواعي سروري أيضا ! نديم كان صديقي الحميم في السجن ... ليتني أملك أكثر من هذا لأفعله من أجله ... و أجل عائلته "


الفتا قالت بعد صمت قصير :

" شكرا لك ... أنت رجل نبيل "


و صمتت تارة أخرى ، ثم قالت :

" لماذا دخلت السجن ؟؟ "


و لما لم تجد مني جوابا ، قالت :

" اعتذر ... تجاهل سؤالي إن كان يزعجك ... "

أنا كنت في غاية الاضطراب ، هناك مواقف كثيرة في الحياة لا أعرف التصرف حيالها ، و هذا أحدها !

سرت إلى الصناديق و تابعت عملي بصمت و هدوء ، و إن كان داخلي متوترا مضطربا ، و الفتاة واقفة على مقربة !

متى تنقشعين !؟

يبدو أنها امرأة قوية و جريئة !

ربما لأن أمها ـ و كذلك خالها ـ من أصل بلدة أخرى ... ذات طباع و شخصيات أخرى ... غريبة و مختلفة عما تعودت أنا عليه !

بعد فراغي من نقل الصناديق ، قالت لي :

" شكرا لك يا سيد وليد ... والدي يعرف كيف يختار أصدقاءه ... "

قلت بخجل :

" العفو ... سيدتي "

ثم ابتعدت و أنا أقول : " مع السلامة " " وقعت ِ أخيرا ! "


صاحت نهلة بصوتها العالي و هي تشير بإصبعها نحوي ، و تضيق الحصار علي !

تلفت من حولي و قلت :

" نهلة أرجوك ! اخفضي صوتك ! لابد أن أمي تسمعه في المطبخ ! "


نهلة أقبلت نحوي و هي لا تزال تمد بسبابتها نحوي حتى تكاد تفقأ عيني ! قالت بحدة و مكر :

" اعترفي يا رغد ... لن يجدي الإنكار أو المواراة ! أنت مهووسة بابن عمّك ! "


مددت يدي و أمسكت بعنقها و ضغطت عليه !

" سأخنقك ِ يا نهلة ّ "


نهلة الأخرى طوقت عنقي بيديها و قالت تمثل دور المخنوقة :

" سأنطق بالحق حتى النفَس الأخير ... رغد تحب ابن عمّها وليد... دون أن تدرك اللهم إني بلّغت ، اللهم فاشهد ! "


و بالفعل كدتُ أخنق هذه الفتاة !

طرقُ على الباب منع جريمتي من الوقوع !

تركت عنق ابن خالتي و مضيت ُ لفتح الباب ... كانت دانه !

" رغد ... وليد على الهاتف ! إن كنت ِ ترغبين بإلقاء التحية ! "


حدّقت ُ بها لثوان شبة واعية لما قالت ، ثم انطلقت مسرعة إلى حيث كانت والدتي تمسك بسماعة الهاتف و تتحدث إلى وليد ...


عندما رأتني أمي قالت له :

" بني ... هذه رغد ترغب في التحدث معك "


و مدت السماعة إلي ...

أخذت السماعة و ألصقتها في إذني و فمي ! بقيت صامتة لثانيتين ، ثم قلت :

" وليد ؟؟ "

أستوثق من كونه هو من على الطرف الآخر ...

صوت وليد وصلني خافتا مترددا و هو يقول :

" مرحبا ... صغيرتي "

بمجرد أن سمعت صوته ، انفجرت !


قلت بصرخة منطلقة مندفعة قوية حادة مجنونة :

" كذّاااااااااااااب "


و أعدت السماعة بسرعة إلى والدتي ، و جريت نحو غرفتي ، و صفعت الباب و أوصدته بانفعال !

نهلة أخذت تنظر إلي بذهول و استغراب ...


" رغد !؟؟ "


صرخت بانفعال ...


" رغد تكره وليد .... أفهمت ِ ؟؟ تكرهه ... تكرهه ... تكرهه "


و لم أتمالك منع دموعي من الانسياب بغزارة من محجري ...

و مضيت إلى سريري فجلست و سحبت الوسادة ، و غمرت وجهي فيها ... حتى كدت اختنق !


بعد قليل ، نهلة ربتت على كتفي و قالت :

" نعم ... مفهوم "


أبعدت أنا الوسادة عن وجهي و تنفست الصعداء ... و سمحت لنظرات نهلة باختراقي مباشرة ... الدموع كانت تجري بانسياب مبللة كل ما تصادفه في طريقها ...


" عزيزتي ... "


ما أن قالت نهلة ذلك حتى انهرت تماما ... و رميت برأسي في حضنها و طوقتها بذراعي باستسلام و أسى ... قلت و أنا في غمرة الحزن ... في لحظة صدق و اعتراف

" لماذا رحل دون وداعي ؟؟ لماذا كذب علي ؟؟ لماذا كذبوا كلهم علي ؟؟ أخبروني بأنه لن يعود ... لكنه عاد ... لكنه تركني ... لم يعد يهتم بي ... لأنني سأتزوج سامر ... لكني لا أحب سامر ... لا أحبه ... "


و أبعدت ُ وجهي عن حضنها و نظرت إليها باستنجاد مرير ...

" نهلة ... أنا ... لا أحب سامر ... أنا ... لا أريد أن أتزوج منه "


نهلة وضعت يدها بسرعة على فمي لكتم كلماتي ، و تلفتت ، ثم عادت تنظر إلي ...


قالت :

" اخفضي صوتك ... "


شعرت باليأس و فقدِ الأمل ... و طأطأت برأسي أرضا باستسلام لحكم القدر ...

كيف لي أن أقول هذا ... و لا تفصلني عن موعد الزفاف غير أسابيع ؟؟

لا يحق لي حتى مجرد التفكير ... فقد قضي الأمر ... و انتهى كل شيء ...

بعدما هدأت من نوبة بكائي ... و لزمت و نهلة الصمت لعدة دقائق ، قالت هي :


" رغد ... لم يفت الأوان بعد ... دعي أمي تتدخل و توقف هذا الزواج في الحال "


هززت رأسي نفيا و اعتراضا و قلت بعدها :

" لا ... كلا كلا ... نهلة إياك و الإقدام على هذا ... "

" لكن يا رغد ... "

" أرجوك نهلة ... لا تفسدي علي الأمور ... لقد فات الأوان ... و انتهى كل شيء ... لا تضعيني في موقف كهذا مع أمي و سامر و الجميع ... "


نهلة أمسكت بيدي و قالت :

" لكن... أنت لا تحبين سامر ! إنك لا ترغبين في الزواج منه ! كيف تربطين مصيرك به ؟ "

" قدري و نصيبي "

" و وليد ؟؟ "


وقفت ببطء ... و استسلام ... و أنا أتذكر تلك الليلة ، حين وعدني و أقسم بألا يرحل دون علمي ، ثم نقض الوعد و القسم ... مستغفلا إياي بعلبة بوضا !


قلت :

" لم يعد له وجود ... أو داع للوجود "


طُرق الباب مجددا ، فتوجهت لفتحه فإذا بها أمي ...


أمي حملقت في عيني المحمرتين برهة ثم قالت :

" رغد ... أهناك شيء ؟؟ "






واريت أنظاري تحت الأرض ، و قلت :

" لا ... لا شيء "


و حين رفعت نظري إليها وجدتها تنظر إلي بتشكك ...

هربت من نظراتها و نظرت إلى ابنة خالتي ... و التي بدورها قالت :

" يجب أن أذهب الآن ... "


و ذهبت إلى المرآة ترتب حجابها و عباءتها ...

قلت :

" نهلة ! كلا لن تذهبي الآن ! "

قالت :

" لدى سارة دروس تستصعبها و هي تنتظرني لتعليمها الآن ! ... "


قالت أمي :

" لا يزال الوقت مبكرا ... ابقي للعشاء معنا "


ابتسمت نهلة و قالت و هي تحرك يدها عند نحرها :

" ستذبحني سارة إن تأخرت أكثر ! "

رافقتها إلى الباب الخارجي ، و قلت لها قبل أن تنصرف :

" نهلة ... لا تذكري ما دار بيننا على مسمع من أحد ... أرجوك "

نهلة ابتسمت ابتسامة مطمئنة ، ثم غادرت ...

عندما عدت إلى غرفتي وجدت دانة هناك !

ما أن رأتني حتى بادرت بسؤالي :

" بربك رغد ! ماذا تقصدين من تصرفك الأحمق هذا ؟؟ لقد كادت السماعة أن تتصدع من صرختك ! أخشى أن تكوني قد أحرقت الأسلاك بين المدينتين ! "


لم يكن لدي مزاج مناسب للجدال مع دانة هذه الساعة ، قلت بنفس ٍ متضايقة:

" أخرجي دانة ، أريد البقاء وحدي "

دانة نظرت إلي باستنكار ، ثم قالت :

" لا تطاقين يا رغد ! متى أتزوج و أتخلص منك ! "

ثم مضت مغادرة ، و قبل أن تخرج قلت :

" قريبا يا ابنة عمي ... ماذا بعد ؟؟ أهذا يكفي ؟؟ "

و صفعتُ الباب خلفها ...

اعتقد أن تصرفاتي لم تكن لائقة لهذا اليوم ، بل و منذ رحيل وليد و أنا في حالة عجيبة ... عصبية دائما ، حزينة دائما ، ضائقة الصدر ... منعزلة في غرفتي ... فاقدة الاهتمام بأي شيء من حولي حتى الرسم ...

و مع مرور الأيام ازدادت حالتي سوءا ... و بدأ العد التنازلي لموعد الزفاف ... لموعد النهاية ... لموعد الحلقة الأخيرة من مسلسل حياتي التعيسة ...

لو كان لي أم ... لو كان لي أم تخصني أنا ... لا تكون هي أم سامر ... لكنت أخبرتها بكل ما يختلج صدري من مشاعر ...

لكنت أخبرتها بما أريد و ما لا أريد ...

أمي هذه ، أم سامر خطيبي ... العريس المتلهف للزفاف ، و إن حاولتْ التحدث معي ، أتحاشاها و اخفي في صدري ما لم أعد قادرة على كتمانه ...

كيف لي أن أخبرها بأنني لا أريد أن أتزوج من ابنها ، الذي خطبت ُ له منذ أربع سنين !؟

كيف سيكون موقفي من سامر ... و أبي ...و الجميع ...

و لماذا أفعل هذا بهم ؟؟

أيكون هذا جزاء من آووني و رعوني كل هذه السنين ، التي لم أشعر فيها أبدا بأنني يتيمة الأبوين ...؟؟

عدا عن ذلك ...

فأي رجل سأتزوج ما لم أتزوج سامر ؟؟ من سأعطيه ثقتي المطلقة مثله ... ؟

حسام الذي لا يختلف عنه كثيرا ؟؟

أم ... وليد ...الذي ...

الذي ... لم أعد أعني له شيئا ...؟؟

وليد ... الكذاب !




~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~





كذاب !

كلمة قاسية هزتني و أربكتني حتى كدت معها أوقع هاتفي من يدي ...
لها الحق بنعتي بهذه الصفة .. ألم أعدها ألا أرحل بدون علمها ثم رحلت ؟؟؟
لكن لماذا تأثرت ْ هي كثيرا من ذلك ؟؟
ماذا كان يفرق لديها ... بقائي من رحيلي ؟؟
أم تظنني سأبقى أرعاها و أدللها كما كنت في السابق ، فيما هي زوجة لأخي !

الخائنان !

كنت في سيارتي في طريقي إلى الشقة الصغيرة التي استأجرتها ، و دفعت مبلغا لا بأس به لأجل ذلك ، على الرغم من نقودي المحدودة التي تتضاءل يوما بعد يوم .

بحثت جاهدا عن وظيفة في هذه البلدة ، و كلما صادفت أعلانا عن وظيفة شاغرة في الصحف بادرت بالاتصال ، رغم أنني لا استوفي شيئا من الشروط المطلوبة ...

كانت أيام سبعة قد انقضت منذ وصولي إلى هذه البلدة ، و هي فترة قصيرة طبعا ، إلا أنني شعرت بملل و وحدة قاتلين ... و فكرت في العودة إلى مزرعة نديم !

إنني أشعر بأن أهل نديم هم أهلي ... و إن لهم حق واجب علي ... و علي تأديته ...

لذا ، فإنني غادرت الشقة ، ذهبت إليهم ... في اليوم التالي .

عندما وصلت ، كانت ابنة نديم هي أول من التقيت به ...

الفتاة كانت جالسة بين مجموعة من الصناديق الخشبية ، منهمكة في إصلاح و تجبير كسورها بالمطرقة و المسامير !

ألقيت التحية فلم تسمعني ، فعدت أحيي بصوت مرتفع فانتبهت لي ...

رمت الفتاة بالمطرقة جانبا و نهضت واقفة و قالت :

" مرحبا بك أيها السيد النبيل ... "

هبطت ببصري أرضا و قلت :

" كيف أحوالكم ؟ "

" الحمد لله . ماذا عنك ؟ "

" بخير سيدتي . ... هل العم إلياس موجود ؟ "

" خالي ذهب لجلب بعض الأشياء ... سيعود قريبا ... تفضل "

و أرادت مني أن اتبعها إلى المنزل ، لكنني قلت :

" سوف أنتظر العم ... إذا لم يكن في ذلك ما يزعجكما ؟ "

قالت :

" لا بأس ، أهلا بك ... سوف أخبر والدتي عن مقدمك "


و ذهبت مسرعة إلى المنزل ...

أنا جعلت أتأمل طابور الصناديق المكسورة التي تنتظر دورها في التجبير !

إنها مهمة شاقة لا تناسب المرأة !

أليس كذلك ؟؟

بعد قليل أتت السيدة الأم مع ابنتها ، ترحب بي بحرارة و كأنها تعرفني منذ زمن !

شعرت بالخجل من ذلك ، و لكن يبدو أنه وضع مألوف لدى هذه العائلة الغريبة !

قلت و أنا أنظر ناحية الصناديق :

" دعاني أتولى ذلك "

طبعا السيدتان اعترضتا ألا أنني قلت :

" ريثما يعود العم إلياس "


و رغم أنها المرة الأولى التي أقوم فيها باستخدام المطرقة و المسامير ، ألا أنني أتقنت العمل !

في الواقع ، شعرت بالخزي من نفسي ... فأنا عاطل عن العمل أتسكع في المدن و الشوارع ، بينما تقوم فتاة شابة في العشرينات بإصلاح كسور صناديق خشبية ، و قطف الثمار ، و حمل الصناديق الثقيلة ، و الحرث و الزرع و ما إلى ذلك ...

أمر مخز بالفعل !

بعد قليل وصل العم إلياس و ما أن رآني حتى أسرع نحوي يريد أخذ المطرقة مني يدي ...

قلت :

" مرحبا أيها العم الطيب ! لا تقلق ... إنه عمل يسعدني كثيرا ! "


اعتقد أنه شعر بالخجل ، و رحب بي بحرارة تفوق حرارة ترحيب الأخريين ، و تمتم بعبارات الشكر و بسيل من الدعوات و الأماني !

أنهيت عملي خلال ساعة ... أمطرني الجميع بكلمات الشكر اللانهائية ... شعرت حينها بأنني شخص ذو قيمة و أهمية و قدرة على العمل و إفادة الآخرين ... بعد شهور التفاهة و البطالة و التشتت التي قضيتها ...


قال العجوز :

" أعطاك الله القوة و الصحة يا بني ، آمل أن تكون قد وفقت في العثور على وظيفة تلائمك ؟؟ "

قلت :

" ليس بعد ! "

قال :

" إذن ؟؟ "

قلت :

" هل ... أجد عندكم عملا مقابل المأوى و الطعام فقط ، إلى أن أجد وظيفة ملائمة ؟؟ "

ستة أسابيع مضت منذ أن اقتحمت عالم الفلاحة ، و أصبحت مزارعا !

شيء لم أكن أحلم به أو أتخيله حتى يمر ببالي مرورا عابرا ... فقد كنت أحلم بأن أصبح رجل أعمال مهم ... مثل صديقي سيف ...

في كل صباح ، كنت أقوم بحرث الأرض ، و زرع البذور ، و قطف الثمار و تنظيف المزرعة ، و إصلاح كل مكسور ، الصناديق ... أنابيب المياه ، الأغصان !
و قبيل الظهيرة أذهب لبيع ثمار اليوم في سوق الفاكهة ، و حين أعود أتابع العمل في هذا الشيء أو ذاك ... عمل شبه مستمر حتى غروب الشمس ...

وجباتي الثلاث كنت أتناولها إما مع العم إلياس أو في الغرفة الجانبية التي خصصت لي ، خارج المنزل ...

رغم أنه كان عملا شاقا ألا أنني سررت به كثيرا بل و وجدت فيه ذاتي التائهة ... و تعلقت بعائلتي الجديدة كما تعلقت هي بي ...

أما عن صحتي ، فقد تحسنت كثيرا مع تحسن نفسيتي ، و اختفت الآلام تقريبا و كسبت عدة أرطال من الوزن !

و أفضل ما في الأمر ... أنني تقريبا أقلعت ُ عن التدخين !

اليوم تلقيت اتصالا من والدي يخبرني فيه بأنه و أمي سيسافران لأداء الحج بعد الغد ، و يرغبان في رؤيتي ... أمر يتطلب مني العودة إلى المنزل رغما عني ...
أمر ٌ و إن كان صعبا فإن علي تحمله من أجل رؤيتهما ... ليلة واحدة فقط ثم أرحل عن ذلك المنزل و من به !

هكذا كان تفكيري قبل أن يقول أبي :

" و لأن سامر لا يستطيع أخذ إجازة لكونه حجز أجازته بعد عودتنا من أجل الزواج ، فلا بد من بقائك هنا حتى نعود ! "


قلبت الأفكار في رأسي و وجدتها مهمة يصعب علي تحملها ، فقلت :

" لا أستطيع ذلك يا أبتي ... سآتي من أجل تحيتكما فقط ... "

قال :

" و من يبقى لرعاية المنزل و الفتاتين إذن ؟؟ "


أنا ؟؟

أ أعود أنا لأرعى تلك الخائنة من جديد ، و أعيش معها أيام استعدادها للزفاف ؟؟
لم تبق غير أسابيع ثلاثة عن ذلك الموعد المشؤوم ! إنني أفضل السفر إلى المريخ أو المشتري على العودة إليها ... ومشاهدتها عروسا تودع العزوبية !


" لا يمكنني ... يا أبي ... "

" في حال كهذه ... لا أملك غير تأجيل حجي للعام المقبل ! "

" أوه كلا أبي ... مادمتما قد عقدتما العزم ... فتوكلا على الله ! "

" و الفتاتان ؟؟ أ أتركهما وحدهما في البيت ؟؟ مستحيل طبعا "


أشياء كثيرة تبدو مستحيلة جدا ، ألا أنك حين توضع في وجه التيار ، تجد نفسك مضطرا لتنفيذها رغما عن أنفك ، مستقيما كان أو معقوفا !


خلاصة القول ، رضخت للأمر ... و وافقت على العودة إلى جهنم ...


كنت أرتب أشيائي في حقيبة سيارتي حين أقبل العم و معه الآنسة أروى ، ابنة نديم و وقفا يراقباني ...
قال العم :

" نحن محزونون لفراقك ... أرجوك أن تعود إلينا من جديد فوجودك عنى الكثير "

ابتسمت له بفرح ، و قلت :

" بالطبع سأعود يا عمي ، إن شاء الله ... ما أن يعود والداي من الحج حتى أوافيكم من جديد ... هنا عملي و في أي قطر من أقطار الأرض لن أجد الراحة كما أجدها هنا "

و هي حقيقة أدركها ... تماما


قالت أروى :

" نتمنى أن تحضر عائلتك لزيارتنا ذات يوم ! هلا ّ فعلت ؟؟ "

قلت :

" سأرى ما إذا كان ذلك ممكنا ... "

قالت :

" أ لديك شقيقات ؟؟ "

قلت :

" نعم ، واحدة فقط ، و شقيق واحد فقط أيضا "

قالت :

" أحضرها لزيارتنا ذات يوم ... سيعجبها المكان كثيرا "

" أنا واثق من ذلك ... "


و أغلقت حقيبة سيارتي ، ثم فتحت الباب و قلت مودعا :

" نلتقي على خير إن شاء الله بعد أسبوعين ... دعوا الأعمال الشاقة لأنجزها حين أعود "

و ابتسم العم ، و كذلك ابتسمت أروى ... ثم لوّحت بيدها مودعة ... !

أروى نديم ... فتاة قوية ... شخصية مميزة تستحق التقدير ... !

أجلس أمام التلفاز في غرفة الضيوف أشاهد برنامجا ترفيهيا ، عل ّ ذلك يفيد في طرد الأفكار التعيسة من رأسي ...

تركت الجميع مجتمعين في غرفة المعيشة يتناقشون بشأن العرس ، و أنا أشاهد برنامجا سخيفا لا أهدف منه إلا شغل نفسي بشيء أبعد ما يكون عن ... وليد .

في أي لحظة قد يصل ...

لا لست أرتقب حضوره ، فلم يعد يهمني ذلك ، بل على العكس ، لازلت ألح على سامر ليبقى هو معنا خلال الأسبوعين اللذين سيغيبهما والداي ... في الحج ...

أقبل سامر الآن يحمل كأس عصير برتقال ، يقدمه لي !

" عروسي ... تفضلي هذا "


أخذت العصير و شكرته و قلت :


" لم تحضره بنفسك ! ؟ "

ابتسم و قال :

" عروسي و أحب تدليلها ! لم تجلسين وحدك هنا ؟ إننا نشرب العصير في غرفة المعيشة و نتحدث بشأن الحفلة ! "


ازدردت شيئا من العصير ، ثم وضعته على المنضدة التي بجانبي و عدت أتابع البرنامج متظاهرة بالاهتمام و الاندماج ...

سامر جلس على المقعد المجاور و أخذ يشاهد البرنامج بضع دقائق ، و أظنه استسخفه !

قال :

" لو كان باستطاعتي الحصول على إجازة أطول ، لكنت بقيت هذين الأسبوعين معك ... "


قلت في نفسي :

ألا يكفي أنني عشت منذ طفولتي معك ، و سأقضي بقية حياتي معك ... ؟؟ إنهما أسبوعان ليس إلا ! ألا تسأم منّي !!؟؟


الآن أمسك بيدي و قال :

" ثلاثة أسابيع فقط ... كم أنا متلهف لذلك الحين ! "


سحبت يدي من بين يديه و أمسكت بكأس العصير ، و رشفت رشفتين ، و أبقيته بين يدي حتى لا يعود لمسكي !


قال :

" فيم تفكرين ؟؟ "

التفت إليه أخيرا ... إذ أنني طوال الوقت كنت أتظاهر بمتابعة البرنامج ، قلت :

" مندمجة مع التلفاز ! "


سامر هز رأسه تكذيبا ، و قال :

" بل أنت في مكان آخر ! "

لم أستطع نفي الحقيقة ... فنظرت إلى كأس العصير ، و جعلت أهزه بعض الشيء ...

قال سامر :


" تختلفين عن دانة ... فهي متحمسة جدا للعرس ! أهناك ما يقلقك عزيزتي ؟؟ "


التزمت الصمت ، ما عساي أن أقول ؟؟؟

نعم هناك ما يكاد يخنقني !

أنا لا أريد الزواج منك ! هلا ّ أعفيتني من هذه المهمة الأبدية لو سمحت ؟؟


سامر أمسك بيدي الممسكتين بكأس العصير و قال :

" لا تقلقي ! كل شيء سيكون على ما يرام ! و ستكونين أجمل من دانه حتما ! "

في هذه اللحظة سمعنا تنحنحا فالتفتنا ناحية الباب ، و رأينا دانة تقف و تراقبنا باستنكار ... !

بمجرد أن نظرنا إليها قالت بحنق :

" سامر ! الويل لك ! من هي الأجمل مني ؟؟ سأريك ! "


سامر ضحك و سحب يديه عن يدي و قال :

" إنا أعني فتاة أخرى تدعى دانة ستتزوج في نفس ليلتنا ! "

قالت دانة :

" آه نعم صدّقتك ! أجل أعرفها ... و لها شقيق اسمه سامر ستقتله بعد دقيقتين ، و آخر اسمه وليد وصل إلى البيت قبل دقيقتين ! "


جفلت ، و توجس فؤادي خيفة ... قال سأل سامر منفعلا :

" هل وصل وليد حقا ؟؟ "

قالت :

" نعم وصل ! إنه في غرفة المعيشة ! "


عادة ً ما أحس بالحرارة لدى ذكر وليد على مسمعي أو في خاطري ، إلا أنني الآن شعرت بالبرودة !

البرودة في رجلي بالتحديد ... لأن كأس العصير البارد انزلق من يدي المرتعشتين و انسكب محتواه على ملابسي و رجلي !


دانة لاحظت وقوع الكأس من يدي ، قالت :

" ماذا فعلتِ ! أوه ... العصير الذي تعبت ُ في إعداده ! "


وقفت أنا و وقف سامر و أخذت أحدق في البقعة التي ظهرت على ملابسي !
أهذا وقته ؟؟

سامر قال :

" فداك ! "

ثم التفت إلى دانة و قال ...

" إلى وليد ! "

و ذهب مسرعا ليحيي شقيقه ...

دانة قالت و هي تنظر إلى ملابسي بشيء من السخرية :

" ألن تأتي لتحيته ؟؟ "

قلت :

" سأبدل ملابسي ... "


و مضيت نحو الباب فلما صرت قربها قلت :

" أرجو أن تغلقي باب غرفة الضيوف فأنا لا أضع حجابي "


دانة ذهبت إلى غرفة الضيوف ، فدخلت و أغلقت الباب ، بينما صعدت أنا ليس فقط لتبديل ملابسي ، بل و للاستحمام ، و غسل ملابسي ، و غسل عباءتي أيضا ، و عصرها ، و كيها كذلك !

شغلت نفسي بكل شيء و أي شيء يؤجل موعد اللقاء المحتوم ...

من قال أنني أريد أن أذهب للقائه ؟؟ من قال أنني أتحرق شوقا لرؤيته ؟؟

أنا لا أريد رؤية وجهه ثانية ... أبدا !

مضت ساعة و نصف ، و أنا في غرفتي أؤدي كل ما تقاعست عن تأديته خلال الأسابيع الماضية !

ألست ُ عروسا على وشك الزواج ؟؟

لا ألام إذن إن أنا اعتنيت ببشرة وجهي ، و وضعت عليها الكريمات و المرطبات و المعالجات كلها واحدا تلو الآخر !

و بعدما فرغت منها ، و قفت أمام المرآة ... مصرة على تجريب علبة الماكياج الجديدة التي اقتنيتها مؤخرا !

أليس هذا من حقي ؟؟؟

طرق الباب و سمعت صوت دانة تناديني فأذنت لها بالدخول ...

دخلت و فوجئت بما كنت أصنع ! نظرت إلي بتعجب ... و قالت :

" بربك ! ما ذا تفعلين ؟؟ "

قلت و أنا أمشط رموش عيني بدقة :

" أتزين ! ما ترين !؟ "

قالت :

" تتزينين ! الآن ؟؟ "

قلت :

" ماذا في ذلك ؟؟

قالت :

" ألن تأتي لإلقاء التحية على وليد ؟؟ إنه يسأل عنك ! "

قلت :

" و أنا هكذا ؟ لا طبعا ... بلغيه تحياتي ... "


ثم انغمست في تلوين وجهي كما ألون لوحة أرسمها ... بمهارة ...

دانة كانت تحدثني باستنكار ، إلا أنها في النهاية تركتني و انصرفت ، و بمجرد ذهابها أقفلت الباب ، و رميت بالفرشاة جانبا و ارتميت على سريري ....

لماذا أتصرف بهذا الشكل الغبي ؟؟

لم أعد أفهم نفسي ... ألم أكن متلهفة لرؤيته ؟؟

ماذا جرى لي الآن ؟؟

جلست ، و نظرت من حولي فوجدت لوحات رسمي المتراكمة فوق بعضها البعض ... ذهبت إليها و استخرجت منها صورة وليد ... ذي العينين الحمراوين و الأنف المعقوف ...

لماذا لا يزال هنا معي ؟؟ لمَ لمْ أتخلص من هذه الصورة ؟؟

لماذا لا أحس بالحرارة الآن ؟؟

كم كان شعورا جميلا ... رائعا ...

و انتهى ...



و إن ْ هربت كل تلك المدة لم يكن باستطاعتي البقاء حبيسة الغرفة دون أن يستغرب البقية ذلك و يقلقون ...

أتت أمي إلي ، فتحت الباب لها فنظرتْ إلي ببعض الدهشة !



" رغد ... أتنوين استقبال أو زيارة إحدى صديقاتك ؟؟ "

" أنا ؟؟ لا أبدا "

" إذن ... لم هذه الزينة ! "



حتى أنتِ يا أمي ؟؟

هل يجب أن أتزين فقط و فقط حين أقابل صديقاتي ؟؟ لماذا تبقى دانة بكامل زينتها معظم الأوقات !

أهي أفضل مني ؟؟

قلت :

" هل هذا عيب !؟ أم ممنوع ؟؟ "

قالت :

" لا لم أقصد ، لكنك لا تفعلين هذا في العادة إلا لسبب ! "

قلت "

" كيف أبدو ؟؟ إنها ألوان الموضة ! "

قالت :

" جميلة طبعا ... لكن ... ألن تتناولي العشاء معنا ؟؟ "

" كلا ، لا أشعر بأي رغبة في الطعام ... "

" حسنا ... و لن تأتي للانضمام إلينا ؟؟ "

" لا أشعر بمزاج جيد للحديث يا أمي "

صمتت أمي قليلا ، ثم قالت :

" و لن تأتي ... لتحية وليد ؟؟ "

صمت أنا لبرهة ثم قلت :

" لم يرغب في وداعي ... إذن ... لا أرغب في استقباله ... أنا ... لا أطيق مجالسة الكذابين "





 

 

 

 


 لا الله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين

فرحان الزعيلي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:26 PM.



Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لشبكة ومنتديـــات الشميـــلات الرسمية
vEhdaa 1.1 by rKo ©2009
استضافة حياة