أيها الأخ / الأخت الفضلآء : بأي حروف نتكلم ؟ وبأي عبارات نتحدث ؟!
قبل أيام قليلة عمَّ الفرح قلوبنا ، وتحدث السرور إلى أفئدتنا ، وصافح السعد أرواحنا.
قبل أيام قليلة عانقنا شهر الخير والإحسان ، شهر الكرم والفضائل ، وها نحن اليوم نلتقي على أعتاب العشر الأخيرة من شهر الخير والإحسان ، نلتقي لنتذكر ذلك الفرح الذي غمر قلوبنا بقدوم هذا الشهر العظيم ، ثم نعيش هذا الوداع الذي يعصر قلوبنا ، الوداع الذي يسلبنا البسمة من أفواهنا ، ويجعلنا نعاني ألم الفراق ، وأي فراق ؟ إنه فراق الفضائل والخيرات والبركات ، فراق فرص عظيمة قد لا تعود على بعضنا مرة أخرى .. آه رمضان..
رمضانُ ما لك تلفظ ُ الأنفـاسا أولمْ تكــنْ في أفقنا نبراسا؟!
لطفاً رويدك بالقلوب فقد سَمَتْ واستأنسـتْ بجلالِك استئناسا
أتغيبُ عن مهجٍ تجلّك بعدمـا أحيـا بـك الله الكريمُ أُناسا
اسمع وداعك في نشيج مُشيّـعٍ ولظى فراقك يلهبُ الإحساسا
لكن رغم هذا فإننا أيضاً نلتقي اليوم على أعتاب هذه العشر نهنئ أنفسنا ببلوغها فنقول : ما زال في الخير بقية ، ما زال للفرصة أمد ، لقد جاءت خير ليالي العام.
لقد رحلت العشرون من رمضان بما قدمنا فيها ، رحلت شاهد صدق على ما عملنا فيها ، فمنا المقدم ومنا المؤخر، ومنا المحسن ومنا المسيء ومنا الظالم لنفسه ، ومنا المقتصد ، ومنا السابق بالخيرات ، فيا كل من قصّر فيما مضى من هذا الشهر، أو بطّأ به عمله ، أو أذنب وأساء ، لا تقنط من رحمة الله.
هاهي العشر الفاضلة قد أظلتك ، عشر ليال هي خير عشر الدنيا كلها ، لأن فيها ليلة واحدة رفيعة الشأن عظيمة القدر ، إنها ليلة القدر {وما أدراك ما ليلة القدر ، ليلة القدر خير من ألف شهر ، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ، سلام هي حتى مطلع الفجر}
فهيا استأنفوا العمل فيها ، وبادروا بالطاعة، وعجِّلوا بالمعروف فخير البر عاجله ، وسارعوا بالإحسان وسابقوا فـ التؤدة في كل شيء إلا في أمر الآخرة
رواه أبو داود وصححه الألباني
شمِّروا في هذه العشر الباقية لعلكم تدركون ليلة القدر، لعلكم تتداركون ما فاتكم ، لعلكم تمحون ما مضى من إثم أو تقصير.
أقبِلوا على الله عز وجلّ ، وجِدُّوا السير فهذا أوان المنافسين والمسابقين والمسارعين في الخيرات.
يا لله ما أعظمها من سعادة ، وما أجلّها من منحة تظفرون بها إن فزتم بقيام ليلة القدر فخرجتم بعدها كيوم ولدتكم أمكم قد غفر لكم ما تقدم من ذنوبكم .
يا لله كم في هذه الليالي من جباه ساجدة ، وقلوب خاشعة ، وعيون باكية ، وأفئدة ضارعة ، وأقدام منتصبة في محاريبها.
خشوع ودموع .. تضرع ودعاء .. بُكيٌّ تعلقت أفئدتهم بمالك الملك فتجافت جنوبهم عن مضاجعهم يتلذذون بمناجاة مولاهم والخلوة به والأنس بقربه .. قد أنسَتهم لذة الطاعة كل لذائذ الدنيا .. فجدوا وشدوا المئزر .. وأطار ذكر المرجع والمعاد النوم من عيونهم .. فقاموا خاشعين متبتلين .. يدعون ربهم خوفاً وطمعاً .. يخرون للأذقان سجداً .. حال الواحد منهم أنه :قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه.. لسان الواحد منهم: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني .. أولئك هم الأخيار، قد عرفوا هول المطلع وعظمة الجبار، فأعدوا للموقف عدته ، فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ..
لقد اقتدوا بإمامهم عليه الصلاة والسلام ، الذي عرّفهم فضل هذه العشر، وكان أسبقهم فيها وأتقاهم وأعلمهم ، كان عليه الصلاة والسلام يشمر فيها، ويبادر بالطاعة ، ويسابق بالخير، حتى قالت عنه زوجه عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيا الليل ، وأيقظ أهله، وجدَّ، وشدَّ المئزر رواه مسلم.
كان يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان ويقول : تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان
رواه البخاري
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان رواه البخاري
كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان رواه أحمد والترمذي بإسناد صحيح
كان يقول :التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ، ليلة القدر ، في تاسعة تبقى ، في سابعة تبقى ، في خامسة تبقى ))
رواه البخاري
وكان يقول:تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان
رواه البخاري
فبادرزت أيها الموفقون في هذه العشر ، وليكن لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة وقدو ة، فهو الذي قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، ويجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره. وكان يقول: أفلا أكون عبداً شكوراً
رواه البخاري ومسلم.
أخي / أختي الصائمون القائمون
مازالت أبواب الجنة مفتحة ، وأبواب النار مغلقة ، ومردة الشياطين مصفدة.
مازلنا نعيش أجواء هذا النداء العظيم يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر .
مازلنا نعيش ليالي العتق من النيران ، وها هي خير الليالي أقبلت لتتوج هذا الضيف الذي أوشك على الرحيل.
فالبدار البدار..
بادروا بالصدقة والإحسان فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان.
بادروا بالصلاة والقيام فإنه من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. ومن قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة.
بادروا بقراءة القرآنفإنه قد نزل في رمضان ، وفي ليلة من ليالي العشر، ليلة خير من ألف شهر، وإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ، ويقال لصاحب القرآن : اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها.
بادروا بالاعتكاف تفرغاً لعبادة ربك ودعائه ومناجاته ، وتحرياً لليلة القدر، فهو سنة حبيبك صلى الله عليه وسلم.
بادروا بالذكر والدعاء .. فربك سميع قريب يجيب دعوة الداعِ إذا دعاه ، وينزل ربنا - تبارك وتعالى - كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له .
بادرفي كل باب من أبواب الخير والمعروف والبر والصلة فإن هذه العشر من فرص الزمان التي قد لا تدركها في غير هذا العام ، فقد تأتي وأنت تحت أطباق الثرى، قد فاضت روحك ، وانتهى عمرك.
اللهم أعنَّا على اغتنام أوقاتنا ، ووفقنا لإدراك ليلة القدر وقيامها ، ووفقنا فيها للطاعة والخير والمعروف ، واكتب لنا فيها خير ما كتبته لعبادك الصالحين ، واختم لنا شهرنا بالعتق من النيران.
والحمد لله رب العالمين.