بادي ذي بدء لابد ان نعرف ان ((السلكة)) الأنثى من أولاد الحجل ..
وهو طائر بحجم الدجاجة او اصغر قليلا يمتاز بالسرعة وخفة الحركة ... والذكر منه يسمى سلك ..
لهذا سمي سليك بن السلكة بهذا الأسم.
سليك هو شاعر من الفتاك اللصوص ... من صعاليك العرب العدائين الذين كانوا لا يلحقون ولا تعلق
بهم الخيل إذا ما عدو ..
ويقال ان عمـرو بن معد يكرب الزبيـدي ...رضي الله عنه ... وهو فارس اليمن .. ومن فرسان
الجاهليةالمعدودين وبطل من أبطال الإسلام المعروفين قال : ((اني أتي بالضعينة من الشام الى اليمن
لااخشى عليها مالم يقابلني حراها او عبدها
وقصد بالعبدين (( عنترة بن شداد وسليك بن السلكة )) لأن السليك كان أسود اللون ايضا .. وسواء
صدقت هذه المقولة ام لا ... فهي تدل على ما لسليك من شجاعة وبطش شديدين.
نسبه :
هو السليك بن عمرو بن يثربي .... وقيل أيضا ان ابوه هو بن عمير بن يثربي ... وليس عمرو ... أحد
بني ((مقاعس)) وهو الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
والسلكة ... أمة وهي أمة سوداء ... وكان يغير على القبائل .. لاسيما
القبائل اليمانية وقبائل ربيعة ... وكان من العارفين باقتفاء الأثر والقصاصين. ومن العالمين بمسالك
الطرق وطبيعة الأرض .
وفيما يلي سوف نستعرض للأقوال التي ذكرها وقالها عنه بعض الأدباء
والمؤرخين ...
يقول الأخفش عن السكري عن ابن حبيب عن ابن الأعرابي
قال: وفرئ لي خبره وشعره على محمد بن الحسن الأحوال عن الأثرم عن أبي عبيدة قال
أخبرني ببعضه اليزيدي عن عمه عن ابن حبيب عن ابن الأعرابي عن المفضل
وقد جمعت رواياتهم فإذا اختلفت نسبت كل مروي إلى روايه.
يستودع بيض النعام ماء في الشتاء ليشربه في الصيف:
كان السليك بن عمير السعدي إذا كان الشتاء استودع ببيض النعام ماء السماء ثم دفنه .. فإذا كان
الصيف وانقطعت إغارة الخيل وأغار. واحتاج إلى الماء ...جاء إلى مواضع البيض ... فاستخرج
البيض منها وشرب ما فيه من ماء ... وكان أدل من قطاة - يأتي حتى يقف على البيضة .. اي انه
يعرف اين دفن هذه البيضة رغم تغير الظروف المناخية ومرور الزمن عليها ... كان لا يغير على مضر
وإنما يغير على اليمن فإذا لم يمكنه ذلك أغار على ربيعة.
صفاته:
قال المفضل عنه ..
كان السليك من أشد رجال العرب وأنكرهم وأشعرهم ... وكانت العرب تدعوه سليك
المقانب ... وكان أدل الناس بالأرض وأعلمهم بمسالكها وأشدهم عدواً على رجليه لا تعلق به الخيل.
وكان يقول: ((اللهم إنك تهيئ ما شئت لما شئت إذا شئت. اللهم إني لو كنت
ضعيفاً كنت عبداً ولو كنت امرأة كنت أمة. اللهم إني أعوذ بك من الخيبة فأما الهيبة فلا
هيبة.)) وهذا دليل واضح على أنه لا يعرف معنىً للخوف .. أذ انه حتى بدعائه لم يطلب من الله أزالة
عامل الخوف والهيبة من نفسه وقال (( أما الهيبة ... فلا هيبة ... ))
أنباء عن قدرته على الاحتمال:
قال أبو عبيدة:
بلغني أن السليك بن السلكة ... رأته طلائع جيش لبكر بن وائل ... وكانوا جازوا منحدرين سرا ...
ليغيروا على بني تميم ... ولا يعلم بهم أحد فقالوا : إن علم السليك بنا أنذر قومه وأفسد علينا ...
فبعثوا إليه فارسين على جوادين ... لكي يشاغلونه أو يقبضون عليه ...فلما هايجاه وأقتربا من
مكانه ... خرج يمحص كأنه ظبي ... وطارداه سحابة يومه .. وأختفى عن الانظار .. ولم يبقي سوا تتبع
أثره علي الأرض.
ثم قالا: إذا جاء الليل تعب وأعيا ... ثم سقط أو قصر وتثاقل عن العدو فنأخذه ... فلما أصبحا وجدا أثره
قد عثر بغصن شجرة إخترقت رجله ((فنزعها )) وتقوست فانحطمت فوجدا قطعة منها قد ارتزت بالأرض والأخرى برجله
فقالا : .. ما له أخزاه الله ... ما أشده ! وهما بالرجوع ... ثم قالا :.. لعل هذا كان من أول الليل
ثم فتر فتبعاه فإذا أثره دامٍ قد بلل فرغا في الأرض وخدها فقالا :.. ما له قاتله
الله ما أشد متنه ! والله لا نتبعه أبداً فانصرفا... ونمى سليكا بهذه الأخبار إلى قومه ... وأنذرهم بها
فكذبوه لبعد الغاية ... فأنشد يقول:
لعمرك ما سعيت من سعى عاجز
ولا أنـا بالوانـي ففيـم أكـذبُ
ثكلتكما إن لم أكـن قـد رأيتهـا
كراديس يهديها إلى الحي موكبُ
كراديس فيها الحوف زان وقومه
فوارس همام متى يدع يركبـوا
تفاقدتـم هـل أنكـرن مغيـرة
مع الصبح يهديهن أشقر مغـرب
يعني الحوفزان بن شريك الشيباني
تفاقدتم: يدعو عليهم بالتفاقد. قال وجاء الجيش واحتطمهم.
لماذا لقب بـ(( سليك المقانب))... ؟
المقانب هي الذئاب الضارية المتوحشة.. وقد أردف هذا اللقب بأسم السليك .. نظرا لسلوكه المعتمد
علي القسوة والضراوة .
قال في ذلك ضرار الأسدي - وكان قد وجد قوماً يتحدثون إلى امرأته من بني عمها ... فعقرها بالسيف
فطلبه بنو عمها فهرب ولم يقدروا عليه - فقال في ذلك:
لـزوار ليلـى منـكـم آل بـرثـن
على الهول أمضي من سليك المقانب
يزورونـهـا ولا أزور نساءهـمـا
لهفـى لأولاد الإمـاء الحـواطـب
وقال ايضا :
جزى الله عنا مرة اليوم ما جـزى
شرارالموالي حين يجزي المواليا
إذا ما رأى من عن يمينـي أكلبـاً
عوين عوى مستحلباً عن شماليـا
ويسألني أن كيـف حالـي بعـده
على كل شيء ساءه الدهر حاليـا
وحالي إني سوف أهدي له الخسا
وأمشي له المشي الذي قد مشى ليا
(( فكيهة))امراة تجير سليك:
وهي واحدة من ثلاث نسوة يسمون بالوافيات ..
الوافيات في الجاهلية ثلاث خماعة بنت عوف الشيباني ... وفكيهة من بني قيس بن ثعلبه
وأم جميل من دوس ... وهم رهط أبي هريرة من أهل السراة.
وكان الذي ذكر من وفاء خماعة ... أن مروان بن زنباع بن جذيمة العبسي أغار على إبل لعمرو بن
هند فطلب حتى انتهى إلى ماء لبنى شيبان ... فنظر إلى أعظمها قبة فولجها ... وهي قبة خماعة
فاستجارها ... فنادت في أهل بيتها فجاءوا وجاء الملك عمرو بن هند
فقال: ادفعوا إلي ..
فقالوا : إن خماعة قد أجارته ...
فقال : قد أجارته ..؟!!
قال: فأني قد آليت أن لا أقلع عنه حتى يضع يده في يدي
فقال أبوها عوف بن محلم : يضع يده في يدي وأضع يدي في يدك تبر يمينك ...؟
قال: نعم
ففعل ... فزعمت بكر بن وائل أن الملك قال يومئذ: لا حر بوادى عوف ... وتأويل ذلك .. هو (( أن العزيز به والذليل سواء ))
وكان الذي شهر ذكر وفاء أم جميل أن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي قتل أبا أزيهر الزهراني
من أزد شنوءة وكان صهر أبي سفيان بن حرب فلما بلغ ذلك قومه بالسراة وثبوا على ((ضرار بن
الخطاب ابن مرداس الفهري)) ليقتلوه ... فسعى حتى دخل بيت أم جميل وعاذ بها فضربه رجل منهم ...
فوقع ذباب السيف على الباب ... وقامت في وجوههم فذبتهم عنه ونادت قومها فمنعوه لها
ولما قام عمر بن الخطاب ... ظنت أنه أخوه فأتته بالمدينة ... فلما انتسبت عرف القصة فقال: إني لست
بأخيه إلا في الإسلام ... وقد عرفنا منتك عليه فأعطاها على أنها إبنة سبيل.
نرجع مرة اخري لأكمال حديثنا عن الشاعر سليك ...
وكان الذي ذكر من وفاء فكيهة ... أن السليك ابن السلكة غزا بكر ابن وائل فلم يجد غفلة ... فكان
ينتظر بها فرأوا أثر قدم لم يعرفوها فقالوا : .. والله إن هذا لأثر رجل يرد الماء ... ما نعرفه فاقعدوا له
وأمهلوه حتى يروى ... فإذا روى فشدوا ...
ففعلوا فورد عندما قام قائم الظهيرة ... حتى امتلأ وجعل يصب الماء على رأسه
ووجهه ... ففاعوا به فأثقله بطنه فعدى حتى ولج قبة فكيهة فاستجارها فأدخلته تحت درعها
وجاءوا يطـلبونه فذبت عنه حتى انتزعوا خمارها ... ونادت إخوتها وولدها فجاءوا عشرة
فمنعوه ... قال: وسمعت سنبلاً يقول: إن سليكاً كان يقول: ((كأنى أجد سبد شعرها على ظهري ))
حين أدخلتني تحت درعها ... وقال سليك:
لعمر أبيك والأنباء تنمـى
لنعم الجار أخت بني عوارا
من الخفرات لم تفضح أباها
ولم ترفع لأسرتها شنـارا
كما ان السليك كان له قصيدة ... ذكر فيها أنه التقى بالغول وصار جاراً للغيلان ... وقد وصف حاله
معها ... حيث قال:
وأدهم قد جبت جلبابه كما
احتابت الكاعب الخيعـلا
إلى أنسحدا الصبح اثنـاءه
ومـزق جلبابـه الأليـلا
على شيـم نـار تنورتهـا
فبت لهـا مدبـراً مقبـلا
فأصبحت والغول لي جارة
فيا جارتا أنت مـا أهـولا
وطالبتُها بعضها فالتـوت
بوجـه تهـول فاستهـولا
وهي قصيدة ذكرها (( ابن قتيبة)) .
وفاته:
ان قاتل السليك بن السلكة يسمى (( أسد بن مدرك الخثعمي))
وقيل ((يزيد بن رويم الذهلي الشيباني)) توفي قبل قرابة الخمسة عشر عاما ... من بدأ الرسالة
المحمدية .. سنة 605 م